وجوب التعاون لإزالة المنكرات والشرور

فعليكم معشر المؤمنين أن تتعاونوا جميعًا مع الدولة في إزالة هذا البلاء، وفي القضاء عليه، والتشديد على أهله، وتحذيرهم من تعاطيه، والأخذ على أيديهم بكل وسيلة ممكنة مما أباح الله ، ولا ريب أن المسلمين إذا تعاونوا وتكاتفوا لإزالة الشر وإقامة الخير والقضايا على أسباب الفساد لا شك أنه يكون له الأثر العظيم في ذلك، ولا شك أنه يتغير المجتمع، فتسود فيه الفضائل، وتقل فيه الرذائل، وينصر فيه الحق، ويعلو أهله، ويخذل فيه الباطل ويذل أهله، هذا كله بأسباب الصدق مع الله والتعاون على البر والتقوى والنصيحة لله ولعباده.

ويلتحق بالخمر كل ما حصل به الإسكار والتغير للعقول من سائر الأنواع التي يحصل بها ذلك، ومما يجب أن يمنع أيضا لما يترتب عليه من الشرور والفساد التدخين والقات والحشيش والأفيون وغير هذا مما يترتب عليه ضعف العقول أو فسادها مع الضرر العظيم على الأبدان، فالدخان والقات والحشيشة والأفيون وغير هذا من الحبوب التي حدثت أخيرًا تؤثر على عقول الناس وعلى أبدانهم أضرارًا كثيرة يجب أن يتعاون في القضاء عليها وعدم دخولها وعدم تعاطيها وعدم بيعها وشرائها، كل ما يترتب عليه ضرر الإنسان في عقله أو بدنه أو يترتب عليه إزهاق روحه يجب أن يمنع، ويجب أن يحذر منه، سواء كان حبوبًا أو شرابًا أو غير ذلك مما يتعاطاه الناس يجب أن يتنبه له المسؤولون، ويجب أيضًا مع ذلك أن يتعاون المسلمون في ذلك، وأن تكون جهودهم متكاتفة متعاونة في القضاء على كل فساد، وفي القضاء على كل شر، والدولة وحدها لا تكفي، بل لا بد من التعاون من العلماء والأعيان والأخيار وأقارب العاصي وجيرانه يجب التعاون بين الدولة والرعية، وبين أعيان المسلمين في القضاء على كل فساد وفي منع كل باطل، كما يجب التعاون في إقامة الصلاة والحفاظ عليها في المساجد وأدائها في الجماعة، وكما يجب الحذر من الربا وأنواعه والتعاون في عدم تعاطيه وعدم التعاون به، وهكذا بقية المعاصي يجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يتعاونوا في القضاء على كل فساد، وفي إقامة كل خير، وفي نصيحة الناس وتحذيرهم مما يضرهم، وفي دعوتهم إلى ما ينفعهم، وإظهار الحق لهم بأدلته، وبيان الباطل لهم بأدلته، حتى يأخذوا الحق وحتى يستقيموا عليه وحتى يلزموه وحتى يتعاونوا عليه، وحتى يذروا الباطل ويحذروه ويتعاونوا في تركه، وقد جمع الله هذا الأمر العظيم في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فهذه الآية جامعة تجمع الأمرين: تجمع التعاون على البر والتقوى الذي به صلاح القلوب وصلاح الأعمال وصلاح المجتمعات ونزاهتها، وبين التعاون على ترك الإثم والعدوان، فإن التعاون على الإثم والعدوان يفسد المجتمعات، ويفسد العقول والأبدان، ويضر الدين ويضر أهله، فلا ريب أن من مصلحة الجميع ومن سعادة الجميع ومن أسباب مرضاة الله عز وجل أن يتعاون المسلمون على البر والتقوى، وأن يحذروا التعاون على الإثم والعدوان.

وقد جمع الله أيضًا ذلك في قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر من الإيمان، ومن العمل الصالح، ومن التعاون على البر والتقوى، ومن التواصي بالحق: إنكار المنكر، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والأخذ على يد السفيه، ومنعه مما حرم الله عليه من الخمر وغيرها، ومن ذلك التواصي بالصبر على هذه الأمور، فإنها تحتاج إلى صبر، فلا بد من صبر على إنكار المنكر، ولا بد من صبر على الأمر بالمعروف، ولا بد من صبر على الأخذ بيد السفيه وإلزامه بالحق وأطره عليه ومنعه من الباطل، كل هذه الأمور تحتاج من المسلمين إلى صبر وإلى جهاد وإلى تكاتف وإلى تعاون حتى يقل الشر وحتى يكثر الخير، ولا يقول قائل: إن هذا يتعلق بالدولة أو بالهيئة الحسبة لا، واجب الدولة عظيم وواجب الحسبة عظيم، نسأل الله لهم العون والمزيد من الخير، ولكن أنت يا عبد الله أنتم يا أيها الرعية أنتم أيها الأفراد المؤمنين عليكم واجبكم، عليكم مع الدولة ومع مراكز الهيئة ومع الدعاة إلى الله عليكم أيضًا أنتم أن تتعاونوا في ذلك وأن تخطبوا في ذلك، وأن تمتنعوا أنتم الفاعل يمتنع ويتقي الله ويتوب إلى الله جل وعلا ولا يلج في الباطل، بل يتق الله ويبادر إلى ترك ما حرم الله، وليعلم أنه لبنة في المجتمع إن صلحت صلح بها كثير من اللبنات، وإن فسدت فسد بها كثير من اللبنات، فليجتهد أن يكون عضوًا صالحًا في هذا المجتمع، ولبنة صالحة قوية سليمة في هذا المجتمع، وليحرص أيضًا على أن يكون أولاده وإخوانه وجيرانه وقراباته أعضاء صالحين، ولبنات صالحة في هذا المجتمع، ولا يجعل الأمر على غيره، ولا يضع الحمل على غيره ويبرأ نفسه لا، بل يعتبر نفسه مسؤولًا، وعليه نصيبه من الجهاد في صلاح المجتمع، وإزالة الشرور والقضاء عليها بما استطاع من دعوة وتوجيه، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتكاتف مع إخوانه وتناصح في إزالة الشر والقضاء عليه، وإلى دعوة الناس إلى الخير وترغيبهم فيه.

هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا وسائر المسلمين للتعاون على البر والتقوى، والتناصح في الله، والتواصي بالحق والصبر عليه، وأن يوفق حكومتنا والمسؤولين فيها لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم وأن يصلح لهم البطانة، ويقوي إيمانهم ويقينهم وينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل.

كما نسأله سبحانه أيضًا أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يعينهم على كل ما فيه رضاه، وأن يمنحهم الله الفقه في الدين، وأن يصلح قادتهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان.