ومما وقع في الناس واشتهر بدعة الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، فقد اخترع بعض الناس هذه البدعة واستحسنها، واشتهر بذلك ما فعله ملك إربل في آخر المائة السادسة أو أول المائة السابعة اخترع الدعوة إلى الاحتفال بالمولد، وأقام وليمة كبيرة ودعا الناس إلى ذلك، فصار عمله هذا شرًا على المسلمين، وبدعة ظاهرة تأسى به فيها بعض من جهل أمر الله، وبعض من استحسن عمله ظنًا منه أنه محسن، وأنه بذلك يحيي أثر النبي ﷺ وسيرته وأعماله، ولم يعلم ذلك الملك ومن استحسن ما أحدثه أن البدعة في الدين تنقص للدين، وزيادة فيه لما يشرعها الله عز وجل، ثم هو يعود أيضًا بالتنقص للسلف الصالحين، بل للنبي عليه الصلاة والسلام في المعنى؛ لأنه يقال حينئذ لماذا لم يبينه النبي عليه الصلاة والسلام؟ لماذا لم يشرعه هو؟ لماذا لم يفعله؟ لماذا لم يدع إليه؟ أهو جاهل حتى يحتاج إليهم؟ أو غير ناصح حتى كتم هذا الشيء؟
قد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام وأظهر ما أمره الله به عز وجل وبينه للأمة، فكل شيء يقرب إلى الله ويدني من رحمته ويباعد من غضبه بينه عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، ودل على كل خير ونهى عن كل شر، فلو كان الاحتفال بالموالد وبمولده بالأخص أمرًا مشروعًا لبينه عليه الصلاة والسلام، ولم يسعه أن يكتمه عليه الصلاة والسلام لا قولًا ولا فعلًا، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم وخلفاؤه الراشدون هم أحب الناس لله ولرسوله، هم أكمل الناس إيمانًا وأكمل الناس علمًا وأشدهم رغبة في الحق، فلو كان الاحتفال بالمولد أمرًا مشروعًا لبادروا إليه ولفعلوه ولدعوا إليه، وهكذا التابعون لهم بإحسان في آخر القرن الأول والقرن الثاني، وهكذا من بعدهم في القرن الثالث لم يفعلوا هذا ولم يدعوا إليه، فلما تركوه دل ذلك على أن فعله بدعة؛ لأن تركهم تشريع كما أن فعلهم تشريع، فكل شيء وجدت أسبابه ولم يفعلوه في عهدهم دل على أنه لا يشرع فعله، فكما أن فعله ﷺ حجة وهكذا فعل خلفاؤه الراشدين، فهكذا الترك ما تركوه مما وجد أسبابه يعتبر أيضاً فعله بدعة.