بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، والشيخ إبراهيم بن عبدالله الغيث، فيما يتعلق بالزنا -أعاذنا الله وإياكم منه-، ووسائله، وفيما يتعلق بتبرج النساء، ووجوب العلاج لهذه المشكلة وأشباهها مما هو وسيلة وذريعة إلى الفاحشة التي هي محل الندوة، ولقد أجادا وأفادا وبينا ما ينبغي بيانه في هذا المنكر العظيم الذي أجمعت الأمة على تحريمه، وأنه من الكبائر كما جاءت بذلك النصوص من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
والزنا من أقبح الجرائم ومن أعظم الفواحش لما يترتب عليه من فساد كبير في الأسر وفي البيئات والأنساب والشحناء والعداوة بين الأمم، ولهذا قال في هذه الفاحشة: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32] يعني: ساء طريقًا يسلك للمسلم ولغيره، نسأل الله العافية.
وسمعتم أن هذه الفاحشة يتفاوت إثمها بتفاوت وقوعها، وكيفية وقوعها، والفاعل لها، وما يترتب على ذلك، وتكلما في وسائل هذه الفاحشة وبينا ما يجب على المسلم أن يحذره، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وبما علمنا، ومن على المسلمين جميعًا بالاستقامة على أمره، والحفاظ على دينه، والعافية من كل ما يغضبه .
ولقد وقع في الناس اليوم شرور كثيرة أسبابها: الجهل، وضعف الإيمان، وغلبة الهوى، وكثرة الاختلاط بين المسلم والكافر والفاسق وغيره، حتى صار البريء والمحافظ على خطر عظيم من هذه الخلطة، وحتى أصيب الكثير من البرآء والمحافظين بشر عظيم من هذه المخالطة، فإنها أعظم من الجرب مؤثرة جدًا على المخالطين من الأبرياء والأخيار، تؤثر عليهم كثيرًا وصحبة الأشرار ومخالطتهم آثارها شنيعة، ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالحذر من صحبة الأشرار، والحث على صحبة الأخيار، قال النبي ﷺ في الجليس الصالح والجليس السوء مثلهما النبي ﷺ بصاحب الطيب وصاحب الكير، الجليس الصالح مثله بصاحب الطيب، إما أن يحذيك، وإن أما تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، والجليس السيء مثل صاحب الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة.
فينبغي للمؤمن أن يحذر صحبة الأشرار، ويتباعد عن وسائل الشر غاية ما أمكنه، فإن الوسائل لها حكم الغايات، ومن تساهل بالوسائل وقع في الغايات، وقد سمعتم أن الله يقول جل وعلا: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان:68]، ثم قال بعده: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69]، من يتعاطى هذه الأمور الثلاثة: الشرك، والقتل، والزنا، جمعها ثم قال بعده: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69].
أما خلود المشرك فهذا أمر معلوم مقطوع به إذا مات على الشرك فهو مخلد في النار أبد الآباد ودهر الداهرين لا يموت فيها ولا يخرج منها ولا تفنى هي أيضًا بل تبقى عذابه فيها مقيم نعوذ بالله، وأما الزاني والقاتل إذا كانا مسلمين لم يستحلا القتل والزنا فإن خلودهما في النار إذا دخلاها خلود خاص، ليس خلودًا عامًا، فالخلود خلودان: خلود عام مستمر هذا للكفار نعوذ بالله، وخلود غير مستمر بل له وقته الذي يحدده الله جل وعلا في حق العصاة، ثم بعد أمده بعد انتهاء أمده يخرجون من النار، فالعصاة إذا دخلوا النار لهم آماد ينتهون إليها، وخلودهم فيها لا يستمر ولاسيما القتلة الذي يقتل بغير حق أو يقتل نفسًا بغير حق فقد توعدوا بالخلود وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، وجاء في الحديث أن من قتل نفسه بشيء عذب يوم القيامة، من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يتوجأ بها خالدًا مخلدًا في النار نعوذ بالله، وهكذا جاء في معاصي أخرى ومنها الزنا نسأل الله العافية، فهو خلود له أمده وله نهايته في النار، إذا دخلها هذا العاصي ليس مثل خلود الكفار، فخلود الكفار لا ينتهي، وخلود العصاة له أمد ينتهي إليه بإذن الله ، ثم بعد تطهيره بالنار وتمحيصه وإزالة خبثهم يخرجه الله من النار إلى نهر يقال له: نهر الحياة، ينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعدما يتم خلقهم وينتهي ينقلون إلى الجنة ويدخلون الجنة، فالشرك والقتل والزنا جاء في هذه الآية عظم خطرها، وأن أهلها مخلدون في النار، وأنه يضاعف لهم العذاب إلا من تاب، فمن تاب تاب الله عليه، من تاب من الشرك والقتل أو الزنا أو غير هذا تاب الله عليه، القاعدة كما سمعتم من الشيخين التوبة بابها مفتوح، من تاب تاب الله عليه من الشرك وما دونه، فأعظم الذنوب الشرك بالله والكفر بالله ، ومن تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا تاب توبة صادقة وأتبعها بالإيمان والعمل الصالح أبدل الله سيئاته حسنات، كما قال : إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]، هذا فضله سبحانه وتعالى.
والتوبة الصادقة لها شروط: الندم على الماضي من السيئات الندم الصادق، والإقلاع من الذنوب وتركها والحذر منها تعظيمًا لله وخوفًا منه ، والعزم الصادق ألا يعود في ذلك، فهذه شروط التوبة إلا إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين من ظلم في النفوس أو في الأموال أو في الأعراض فلا بد من شرط رابع وهو رد الحقوق إلى أهلها، أو استحلالهم منها، فإن ردها إليهم أو استحلهم فأباحوه سلم من شرها، والعرض من الغيبة ونحوه قد يصعب استحلالهم منه، وقد لا يتيسر استحلالهم، وقد يترتب على استحلالهم ما هو شر من ذلك، فإذا تيسر استحلالهم فهذا طيب، وإذا أباحوه سلم من شر العرض من الغيبة والقذف ونحو ذلك، لكن إذا خشي من ذلك فإن عليه أن يذكرهم بالخير الذي يعلمه منهم ....... فيدعو لهم ويستغفر لهم حتى يقوم هذا مقابل ما هتك من أعراضهم وتكلم في أعراضهم، إذا لم يتيسر أن يستحلهم من ذلك.