تفكر الإنسان في نفسه

وهنا شيء لم يبسط فيه الإخوان وهو من الآيات قال الله جل وعلا: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، يعني آيات في أنفسكم أنتم آيات، كما في الأرض آيات وفي السماء آيات وفي الليل آيات وفي الجبال آيات وفي المعادن آيات وفي البحار آيات وفي الأنهار آيات نفس الإنسان فيه آيات، في نفسك آيات، أنت من الذي أعطاك هذا السمع تسمع به الأصوات؟ ومن الذي أعطاك البصر ترى به المرئيات؟ وتتقي به ما يضرك؟ ترى الحفرة تعدل عنها؟ ترى الماء تعدل عنه؟ ترى الحية تعدل عنها أو تقتلها؟ ترى العدو تتخذ الحيلة بالبعد عنه أو مقاومته؟ من الذي أعطاك هذا البصر؟ من الذي أعطاك السمع تسمع الأصوات؟ تسمع ما ينفعك من القرآن والآيات فتستفيد، تسمع ما يضرك فتحذر، تسمع صوت أهلك إذا نادوك زوجتك أمك وأبيك، من الذي أعطاك هذا؟ هذه آيات، هذه اللحمة هذا اللسان تنطق بما عندك في قلبك من خير وشر، من الذي أعطاك هذا؟ هذه الجوارح يد قدم وغير ذلك وأنف تشم به الطيب والخبيث من الذي أعطاك هذه الأشياء؟ مفاصل في ظهرك وفي رجليك وفي يديك تستريح بها وتنتفع بها، أمعاء تهضم طعامك وتنتفع بما فيها، طريق من فوق لأكلك وشربك، وطرق من أسفل لخروج الفضلات من جسمك من الذي أعطاك هذا الشيء؟ من الذي خلق هذا الشيء؟ أليس هو الله القادر على كل شيء؟ أليس عليك حقوق لهذا الرب العظيم الذي أعطاك هذه النعم، ألا تفكر حتى تضيع هذا المنعم ألا تسمع لدعوته وندائه فتجيبه إلى ما أمر وتنتهي عما نهى عنه وتقف عند الحدود التي حدها ، إنها لعبر وإنها لآيات كما قال ربنا: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

هذه النفس فيها عبر وفيها آيات فضلك الله على كثير، ورزقك من الطيبات، أعطاك العقل تميز بين الخير والشر، والضار والنافع، والهدى والضلال، تقرأ الكتب تسمع الآيات هذه نعم عظيمة، وآيات في نفسك ولكنك في الغالب تغفل عنها وتنظر بعيدًا ولا تفكر في نفسك وما أعطاك الله من النعم ومن الخيرات والآيات، فانظر أيها العبد انظر في هذا الأمر العظيم وحاسب نفسك، واتق الله فيما أعطاك من النعم، واستعملها في طاعة الله فيما يقرب من الله، واستعن بها على الفقه في الدين، واستعن بها على نصيحة عباد الله وتبليغهم أمر الله، واستعن بها على كل ما يقربك من الخير، وعلى كل ما يباعدك من الشر، واستعن بها على نفع إخوانك من الجيران والأقارب وغيرهم بالنصيحة والتوجيه والإحسان والمعاونة على البر والتقوى، واستعن بها على ترك الشر، وعلى معاونة إخوانك على ترك الشر، هذه آيات وعجائب، وأعظم آية تتلى هذا الكتاب العزيز، هذا القرآن العظيم أعظم آية وأكبر آية تتلى وأعظم معجزة وأعظم هداية، كتاب الله العظيم بين يديك تأخذه من المكتبة بثمن بخس ودراهم قليلة فيه الهدى والنور لو بيع بآلاف آلاف الآلاف لكان رخيصًا، ولكنه ميسر تشتريه بشيء قليل وتقرأ وتحفظ ما تيسر منه، وبإمكانك أن تقرأ التفاسير التي كتب عليه حتى تعرف المعنى وتستفيد من المعنى، ولكنك غافل إلا من شاء الله إلا من هدى الله.