يُطلِّقها متى شاء إن كانت آيسةً أو حاملًا، متى شاء، أما إذا كانت تحيض فيتحرى الطُّهْر، فإذا طهرت كما قال النبيُّ ﷺ: طلَّقها، وامنع أن تمسَّها، هذا هو المشروع.
أما إذا كانت لا تحيض لعلةٍ، أو آيسة، أو حاملًا يُطلِّقها متى شاء، لكن طلقةً واحدةً.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: كيف يُخالف عمر ما كان على عهد النبي ﷺ؟
ج: اجتهاده رضي الله عنه من باب الزَّجر.
س: طيب، ذكر ندمه في كتابٍ عفا الله عنك؟
ج: في "الطرق الحكمية".
س: حديث أبي هريرة؟
ج: تلى حديث: ثلاثٌ جدهن جدٌّ، وهزلهن جدٌّ رواه الأربعة، وصحَّحه الحاكم: الطلاق، والنكاح، والرجعة، هذه تقع جادًّا أو هازلًا، أما الرواية الأخرى التي فيها: العتاق، فهي رواية ضعيفة، لكن العتاق مثله، لو قال: "إنه هازل" ما يُقبل منه، ولو كانت الرواية ضعيفة؛ لأنَّ الإنسان مأخوذ بإقراره، فلو قال لعبده: أنت حرٌّ، ثم قال: إني هازل، أو قال: أعتقتُه، ثم قال: إني هازل، ما يُقبل، يُؤخذ بإقراره من عتيقه، وأنه حرٌّ، أو قال: هي طالق، وقال: هازل، أو قال: زوجت بنتي، قال: قبلتُ، بشهادة شاهدين، يلزم النكاح، أو قال: قد راجعتُها، لما طلَّقها طلقةً واحدةً قال: راجعتُها، تلزمه الرجعة، ولا يجوز التَّلاعب بهذا، وإن كان في سنده بعض المقال، ولكن لا بأس به، تعضده الأصول الشرعية.
س: رواية طلاق البتة تكون ضعيفةً؟
ج: لا، الثابت أنه طلَّقها واحدة، لكن البتة معناها: واحدة، الصواب أنها تُعتبر واحدة، بخلاف ما رأى الجمهور.
س: أبو ركانة، أو ركامة المشهور؟
ج: في روايةٍ: ركانة، وفي روايةٍ: أبو ركامة، الأمر سهل.
س: بعض الناس يظن أنَّ الزواج بنية الطلاق مثل زواج المُتعة؟
ج: لا، ما هو مثله، المتعة لا بد مدة معينة: شهر، شهران، سنة، سنتان، أما هذا فنيته في قلبه، بينه وبين الله، ما هو متعة.
س: الصحابة في عهد عمر ما دام اجتهادًا كيف وافقوا على هذا؟
ج: نعم؟
س: الصحابة في عهد عمر لما أمضى الثلاث تطليقات؟
ج: رأوا أنَّ الاجتهاد الذي ثبت عنهم أنه وافقه يكون رأيًا، أن اجتهاد ولي الأمر في هذا المقام لا بأس أن يتبع، لعله خفيت عليه السنةُ في هذا، ما كل أحدٍ يُحيط بالسنة.
س: لو قال: أنت طالق، طالق، طالق؟
ج: إذا فعل ما نوى الثلاث واحدة، والثانية للتأكيد، والثالثة للتأكيد، أما إذا نوى الثلاث، أو قال: طالق، ثم طالق، ثم طالق، تكون ثلاثًا، أو نواها يقول: طالق، طالق، طالق، ناويًا الثلاث، هذه تُعتبر، يؤخذ بنيَّته.
س: في هذه الحالة هل هذا هو الطلاق الشرعي باللفظ هذا؟
ج: لا، يكون قد أخطأ، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى.
س: ويُؤخذ به؟
ج: يؤخذ بإقراره نعم، يكون عاصيًا ويُؤخذ بإقراره، مثلما قال: أيُلْعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظهُركم؟! ولم يأمر بردِّها.
س: سواء مدخولًا بها، أو غير مدخولٍ بها؟
ج: المدخول بها تبين بالثلاث، وغير المدخول بها تبين بواحدةٍ، والثانية ما تلحقها، لو عقد عليها وطلَّقها قبل أن يدخل بها قال: طالق، ثم طالق، ثم طالق، ما يُلحق بها، أو قال: طالق بالثلاث، تُعتبر واحدةً في حقِّه كما تقدَّم.
س: هل هذا من الطلاق المُباح؟
ج: وأيش هو؟
س: هذا الطلاق؟
ج: لا، هذا الطلاق ما هو مباح، هذا منكر.
س: هي مُحرَّمة أحسن الله إليك؟
ج: محرَّمة، والطلاق الغير محرم، وطلاق النفاس محرم، وطهرٌ جامع وهي تحيض قبل أن يمسَّها محرم؛ لأنَّ الرسول زجر عنها عليه الصلاة والسلام.
س: إذا طلَّق الرجلُ وراجعها، جرت العادةُ أن يُعطيها الضَّارة، أو شيئًا من الهدايا؟
ج: ما فيها بأس إذا راجعها، مثلما قال الله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، مما سمحت أخلاقه، طيب.
س: هو من السنة أو العُرف؟
ج: ما أعلم فيه شيئًا، لكن مما ينبغي؛ لأنه تطييب للنفوس بعد التَّكدير، الطلاق مُكدِّر، والرضوى تسمح الخاطر.
س: إذا قال: طالق، طالق، طالق؟
ج: نعم؟
س: إذا أمضى: طالق، طالق، طالق، ثلاثًا؟
ج: إذا نواها طلاق، وأما إذا ما نواها ما تصير طلاقًا؛ لأنَّ العرب تقول: طالق، طالق، طالق، فلان، فلان، فلان، تعال، تعال، تعال، فلان زين، زين، زين، من باب التأكيد .....
س: ما يُسأل: هل نويت الثلاث؟
ج: لا، ما يُسأل.
س: ذكرتُم أمس توهيم ابن حجر أنه أخرجه مسلم، وهو في أبي داود، أي لفظة؟
ج: ولم يرها شيئًا، جاءت ولم يرها شيئًا، كلمة ولم يرها شيئًا.
س: راجعها في سرِّه، ولم يُخبر؟
ج: ما يصلح، لا بد أن يُصرِّح، لا بد أن يقول: راجعتُ امرأتي، رددتُ امرأتي، والسنة أن يشهد شاهدان، وإن جامعها بنية الرجعة تصير رجعةً.
س: يلزم الشاهدان؟
ج: سنة، قال: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، سنة.
س: إذا أُفتي هل له أن يُعاود الاستفتاء فيمَن يقول: الثلاث واحدة؟
ج: أيش؟
س: إذا أُفتي شخصٌ أنَّ الثلاث بلفظٍ تُعتبر ثلاثًا؟
ج: إذا حكم الحاكم خلاص، ما عاد فيه شيء، ما عاد يُراجع.
س: لا، ليس الحاكم.
ج: له أن يستفتي، لكن ما دام حكم الحاكم بحكمٍ.
س: لا، ليس بالحكم.
ج: ما فيه شيء، يستفتي نعم، مثلما يستفتي الصحابة، يستفتي ابن عمر، ثم ابن عباس، ينظر ما يطمئن إليه قلبُه.
س: تتبع رُخَص العلماء؟
ج: لا، يطلب ما يطمئن إليه قلبُه من جهة الدليل، ما هو من جهة التَّلاعب، لا بد مما يطمئن قلبه، وتزول عنه الريبة والشك، أن يتخيَّر مَن يظن أنه أقرب إلى الخير، وأعلم، يتحرى مَن هو أعلم، وأقرب إلى الخير.
س: الراجح في حديث ابن عمر: أبغض الحلال إلى الله الطلاق هل هو مُرسل؟
ج: الصحيح أنه متَّصل.
1089- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ، أو تَكَلَّمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1090- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، والنِّسْيَانَ، ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، والْحَاكِمُ، وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يَثْبُتُ.
1091- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ"، وقَالَ: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِمُسْلِمٍ عن ابن عباسٍ: "إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا.
1092- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ودَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فقَالَ: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة لها تعلُّقٌ بالطلاق وغيره:
في الحديث الأول يقول ﷺ: إنَّ الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثَتْ به أنفسَها النصب أولى، والفاعل: الأمة، ما حدَّثَتْ به يعني: الأمة أنفسَها، ويجوز بالرفع: ما حدَّثَتْ الأنفس، لكن السياق يقتضي أنه مفعول حدَّثَتْ، يعني: ما حدَّثَت الأمةُ أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم.
وهذا من رحمة الله وتيسيره جلَّ وعلا؛ لأنَّ ابن آدم ضعيفٌ، تجري عليه الوساوس والخطرات، فما كان من حديث قلبٍ ووسوسةٍ فإنه لا يُكلَّف به، والله قد عفا عنه سبحانه وتعالى، فإذا تحدَّث بطلاقٍ، أو عتقٍ، أو سبٍّ، أو شتمٍ، ولم يفعل، فإنه لا يُؤاخذ بذلك حتى يتكلم أو يفعل، ولهذا قال ﷺ: إنَّ الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثَتْ به أنفسها، ما لم تعمل، أو تكلم، فلو طلَّق في نفسه، أو أعتق في نفسه، أو سبَّ في نفسه، أو ما أشبه ذلك، أو أتته وساوس من جهة الرب، أو من جهة الجنة، أو من جهة النار، فإنَّ هذه كلها باطلة، وعليه التَّعوذ بالله من الشيطان.
ولهذا لما قال الصحابةُ: يا رسول الله، إنَّ أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخرّ من السماء أهون عليه من أن ينطق به، قال: تلك الوسوسة، يعني: وساوس الشيطان، وفي بعض الألفاظ: ذلك صريح الإيمان، وقال: إذا وجد أحدُكم ذلك فليقل: آمنتُ بالله ورسوله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وينتهِ.
فإذا وجد في نفسه من خلق الله، من فعل الجنة، من الحق، النار، أو ما أشبه من المقالات السيئة، فإنَّ هذا من الشيطان، فليقل: آمنتُ بالله ورسوله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينتهِ، وليستمر في عمله، ويعرض عن هذه الوساوس، وإذا كان طلاقًا أو عتاقًا، لم يقع طلاقٌ ولا عتاقٌ حتى يتكلم.
والحديث الثاني: إنَّ الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكْرِهوا عليه هذا ضعَّفه أبو حاتم وجماعة، وصحَّحه عبدُالحق الإشبيلي وجماعة، ولكن معناه صحيح، يُؤيده قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: قد فعلتُ. رواه مسلم في "الصحيح"، ويؤيده قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل:106].
فالمكره لا شيء عليه، إذا أُكره على الطلاقِ أو على دفع مالٍ فالإكراه لا يُعتبر معه الفعل، يعني: الفعل الناتج والقول الناتج عن الإكراه لاغٍ، لا بدَّ أن يكون الكلامُ أو الفعل عن مطاوعةٍ، وعن اختيارٍ، لا عن إكراهٍ، ولا عن نسيانٍ، بل عن اعتمادٍ، ومعرفةٍ، وذكرٍ، فإذا كان عن نسيانٍ فالله قد تجاوز عنه، أو غلط –أخطأ- فالله قد تجاوز عن ذلك، أو مكره كذلك، ولهذا قال تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: قد فعلتُ.
والخطأ كونه يعمل شيئًا ما تعمَّده، غلط منه، من غير قصدٍ: كأن يريد أن يتكلم في فلانة، قال: فلانة طاهرة، قال: طالقة، غلط لسانه، ولم يتعمَّد الطلاق، غلط، أو ما شابه ذلك من الكلام الذي يغلط فيه، ما تعمَّده، أو يقول: عافاك الله، فيسبّ، أو ما أشبه مما قد يقع في اللسان، فإذا علم الله منه الصدق، وأنه غلطان، لا يُؤاخذ به، إذا كان صادقًا.
وهكذا إذا قال: "إني ناسٍ"، وهو صادقٌ، فلا يُؤاخذ بذلك، وهكذا إذا علم أنه مكرهٌ لا يُؤاخذ به، وهذا كله من عفو الله سبحانه.
الحديث الثالث: حديث ابن عباس، كذلك عند ابن عباس التَّحريم، عند ابن عباس أنَّ التحريم يكون يمينًا مكفِّرة، وهذا محل نظرٍ، والمعروف عند الجمهور أنه ظهارٌ، مثل قول الله في سورة المجادلة، وقد حرَّم الله تعالى الظهار، وجعله منكرًا من القول وزورًا، وجعل فيه كفَّارة الظِّهار: عتق رقبة: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا الآية [المجادلة:3].
فالصواب أنه إذا قصد تحريمها، قال: زوجتي عليَّ حرامٌ، أو: زوجتي عليَّ حرامٌ، وقصد تحريمها، مثل لو قال: كظهر أمي، أما إذا كان على وجه يمينٍ بأن قال: إن فعلتِ كذا فأنت حرامٌ، وقصده زجرها، إن فعلتِ هذا، أو كلمتِ فلانًا فأنت حرامٌ، فهذا حكمه حكم يمينٍ، أما إذا قال: هي كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو هي عليَّ حرام، مُنَجَّز غير معلَّقٍ بشرط منعٍ أو حثٍّ فهذا حكمه حكم الظهار، هذا هو الأرجح، والأقوال كثيرة في هذا، ذكرها ابنُ القيم رحمه الله في إعلام الموقعين.
أما إذا صرَّح قال: كظهر أمي، أو كظهر أختي، فهذا ظهار عند الجميع، أما إذا قال: حرام عليَّ، أو أنت حرامٌ عليَّ، فلهم فيها أقوال، وأرجحها أنه ظهار، وقول ابن عباسٍ أنه يمينٌ لقول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1- 2]، فالآية ليست في الزوجة، الآية في مارية، تحريم الجارية، أو في تحريم العسل، فلا حجَّة في تحريم الزوجة، لكن لو قال: جاريتي عليَّ حرام، أو قال: العسل عليَّ حرام، أو قال: طعامكم عليَّ حرام، هذا حكمه حكم اليمين على نصِّ الآية الكريمة.
أما إذا خاطب به الزوجة: أنت عليَّ حرام، فهو كقوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أو ظهر أختي؛ لأن معنى: أنتِ عليَّ كظهر أمي يعني: أنت عليَّ حرام كظهر أمي، هذا معناه، أو كظهر أختي، أو بطن أختي، فقوله: "أنتِ عليَّ كظهر أمي" المعنى: أنت عليَّ حرام كظهر أمي، فقوله: أنت عليَّ حرامٌ، مثل قوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي، في كفَّارة الظهار، أما إذا علَّق: أنتِ عليَّ حرام إن فعلت كذا، إن كلمتِ فلانة، أو إن خرجتِ من البيت، فمقصوده اليمين، مقصوده المنع، مقصوده منعها، ليس مقصوده الظهار منها، فهذا حكمه حكم اليمين، إلا إذا صرَّح بالظهار وقال: أنتِ عليَّ كظهر أمي إن فعلتِ كذا، فهذا ظهارٌ؛ لأنه صريحٌ ما يحتمل شيئًا آخر.
والحديث الرابع حديث بنت الجون: أنها لما أُدخلت عليه عليه الصلاة والسلام قالت: أعوذ بالله منك، لما دنا منها، فقال: لقد عُذْتِ بعظيمٍ، الحقي بأهلك، فهذا تنفيذٌ لقوله ﷺ: مَنِ استعاذَ بالله فأعيذوه، لما استعاذت منه، من مكارم أخلاقه عليه الصلاة والسلام أعاذها، قال: لقد عُذْتِ بعظيمٍ، الحقي بأهلك، هذا يدل على أنَّ مَن استعاذ بالله من شخصٍ أن يُعاذ، إلا إذا كان صاحبُ الاستعاذة قد استعاذ من حقٍّ عليه، ما تلزم إعاذته، لو قال: أعوذ بالله أن تأخذ مني الزكاة، أو تقول: أعوذ بالله من زوجها ...، أو أعوذ بالله من أن تلزمني بالصلاة، أو بالزكاة، ما يُقبل منه، أما إذا استعاذ من شيءٍ فيه مندوحة فلا بأس أن يُعاذ بالله، أو كان محقًّا: أعوذ بالله أن تلزمني بغير حقٍّ، كذلك يُعاذ، أو قال: أو تلزمني بأن أشرب القهوة، أو آكل الطعام، يُعاذ، ما يلزم، الحمد لله، مثلما قال ﷺ: لقد عُذْتِ بعظيمٍ.
وهذا محتمل أنه ﷺ كره منها هذا الخلق، فأعاذها فضلًا منه وإحسانًا عليه الصلاة والسلام، وإلا فلا يلزم، وهي زوجة، وقد تمَّ العقدُ عليها، فظاهر السياق أنها أُدخلت عليه لأنها زوجة، فإن كانت واهبةً فله الحقُّ ﷺ أن يقبلها، وله أن يردَّها، فالحديث ليس بصريحٍ أنها زوجة أو واهبة، والظاهر والله أعلم أنها زوجة؛ لأنها لو كانت واهبة ما قالت هذا الكلام، فالأقرب أنها زوجة، وأنه ﷺ لما قالت هذا الكلام قال: الحقي بأهلك يعني: طلَّقها؛ كراهةً لها لما قالت هذا الكلام السيئ.
ويقول بعضُ المحدثين أنَّ بعض النساء غرَّها، وقالوا لها: "قولي هذا الكلام"، والله أعلم بالحقائق، المقصود أنَّ مَن استعاذ بالله من شخصٍ...
لقوله في حديث ابن عمر: مَن استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، فالأفضل أن يُعاذ إذا استعاذ من شيءٍ لا يلزمه، أما إذا استعاذ من شيءٍ يلزمه: كالزكاة، أو الصلاة، أو دَين عليه، ما تجب إعاذته، يُلْزَم بالحقِّ الذي عليه؛ لأنَّ الحقوق اللازمة ما تسقط بقوله: "أعوذ بالله من كذا"، فهي باقية على حقيته.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: إذا قال: أنتِ عليَّ حرامٌ، ينظر في نيَّته؟
ج: نعم.
س: يُسأل عن نيته؟
ج: لا، "أنتِ عليَّ حرام" حكمه حكم الظهار، إلا إذا علَّق، قصده المنع.
س: كيف إذا علَّق؟
ج: أنتِ عليَّ حرام إن كلمتِ فلانة، أو دخلتِ بيت فلانة، قصده منعها، هذا له حكم اليمين.
س: المرأة التي لم يدخل بها زوجُها هل لها عدَّة إذا طلَّقها؟
ج: إذا كان ما دخل بها ولا خلا بها فما عليها عدَّة، الله جلَّ وعلا بيَّن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثم طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، فالخلوة في مذهب الخلفاء الراشدين والعلماء في أصحِّ القولين أنها بمثابة الدخول؛ لأنها مظنة الدخول، الخلوة مظنة الدخول، دخل دخلة كاملة، وجبت عليها العدة، ووقع عليها الطلاق.
س: ولو لم يطأها؟
ج: ولو لم يطأها.
س: بعض الناس يقول: أسألك بالله أن تعرض هذا السؤال مثلًا على الشيخ، وبعض الناس مثلًا يقول: أنا بوجه الله؟
ج: إذا قال: أسألك بالله، قل له: لا تسألني بالله يا أخي ولا تُشكك، ولكن ينبغي بالخير ... إذا سألكم بالله فأعطوه ...
س: بعض الناس يقول: أنا بوجه الله، من أجل أنه يخشى أنه مثلًا ينظر من زميله كذا، قالوا: بوجه الله، هذه العبارة أحسن الله عملك؟
ج: "أعوذ بوجه الله" مثل دعوة الله، أو "أعوذ بنعم الله من سخطه"، أو "ربي إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك"، استعاذة بالصفات، لا بأس بها، تعدد الصِّفات لا بأس بها.
س: يقول: كنت أنا وزوجتي أمام التلفاز، وليس بيني وبينها أيُّ نزاعٍ، يقول: فقلتُ بدون شعورٍ –لأني أستعمل حبوبًا نفسيَّةً: أنتِ طالق، ثم ذهبت تبكي بدون أي نزاعٍ بيننا، يقول: هل هذا من الكلام الخطأ، أم ليس من الكلام الخطأ؟
ج: ما دام ...: أنت طالق، تقع طلقة واحدة.
س: يقول: خرجَتْ من لساني من دون شعورٍ مني، ومن دون نزاعٍ بيني وبينها، وكنا ننظر جميعًا -نسأل الله العافية- إلى التِّلفاز؟
ج: وهو أراد شيئًا آخر، أو ما أراد شيئًا آخر، غلب؟
س: هو تلفَّظ بها، يقول: ما أدري كيف خرجت أصلًا؟
ج: تُحْسَب طلقة، إلا إذا كان أراد شيئًا وغلط، إذا كان أراد أن يقول: أنت طاهر، أو: أنت طيبة، وغلط، فما تُحسب إذا كان صادقًا، أما إذا تعمَّد كلمة الطلاق تُحسب.
س: فيه مرضٌ نفسي؟
ج: إذا كان عقله معه تقع طلقة.
س: قال: إذا خرجتِ، إذا فعلتِ كذا فأنتِ عليَّ حرام، هل يُسأل عن نيَّته؟
ج: هل قصده تحريمها أو منعها فقط.
س: لكن يسأل؟
ج: يسأل.
س: أو على ظاهره فقط؟
ج: أما إذا كان قصده منعها فهذا عليه كفَّارة يمين، وإذا كان قصده تحريمها فحكمه الظِّهار.
س: الخلوة الكاملة تُحرِّم البنت؟
ج: لا، ما تحرم إلا بالوطء –الدخول- ما تحرم بنتها إلا بالدخول: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23] الدخول: الوطء.
س: طلاق السَّكران؟
ج: إذا علم أنه سكران ما يقع الطلاق، أما دعواه ما تُقبل حتى يُعلم بالدليل أنه سكران.
س: مَن نوى الحجَّ متى يمتنع عن أخذ شيءٍ من شعره؟
ج: إذا أحرم، إذا نوى الدُّخول في النُّسك قال: لبيك عمرة، ولبيك حجًّا، يعني: نوى الدخول في النُّسك، والذي نيته من بلده يُسافر إلى الحجِّ ما يصلح إحرامه، إحرام نيته الدخول في العمرة، أو الحج مباشرةً.
س: تحريم الأم، وتحريم الجدَّة؟
ج: بالخلوة، أو بمجرد العقد؟
س: بمجرد العقد.
ج: الذرية بالدخول –بالوطء- خاص، أما الأم والجدة وأشباهها فهذا بمجرد العقد.
س: إذا قال رجلٌ: إذا طلعتِ من البيت فأنت طالق، وإذا ركبتِ مع أخوك فأنت طالق، هل تقع طلقتان؟
ج: إذا كان قصده منعها ففيه كفَّارة يمين، وإذا كان قصده الطلاق فتقع طلقتان: بالخروج من البيت واحدة، وركوبها مع أخيها واحدة، إذا كان قصده الطلاق في الفعل مستقل.