فالتجارة فيها خير كثير لمن صدق وتجنب الكذب والغش، فالله يرزقه ويبارك له ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما، فالصدق والبيان في التجارة من أسباب الربح والتوفيق، ومن أسباب البركة، والكذب والغش في المعاملات من أسباب غضب الله، ومن أسباب نزع البركة، وتلف الأموال، وقال عليه الصلاة والسلام: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان بما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم في الصحيح، فجعل المنفق سلعته بالحلف الكاذب من هؤلاء، فدل ذلك على خبث الكذب في التجارة والمعاملات، وأنه منكر عظيم وإن كثر المال بأسبابه، ولكن المال إلى نزع البركة مع غضب الله عز وجل، فلا ينبغي للمؤمن أن يتساهل بالكذب والغش.
وإنما كان المسبل مع هؤلاء لأن إسباله يجره إلى الكبرياء والخيلاء، وهذا يفضي به إلى النار، ويفضي به إلى غضب الله عز وجل، من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فالإسبال في الثياب يجر إلى ذلك، ويفضي إلى ذلك غالبًا، فصار وعيده شديدًا وخبره عظيمًا، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام محرضًا على التجارة ومرغبًا فيها: «التاجر المسلم الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء»، التاجر المسلم الأمين الصدوق هذه قيود: مسلم، أمين، صدوق، أما مسلم خائن غشاش كذوب لا ليس من هؤلاء، فلا بد من التجارة أن يكون صدوقًا أمينًا لا خائنًا ولا كذابًا.
وسمعتم ما في الحديث السابق: وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتق الله وبر وصدق لما كان الغالب على التجار الكذب والخيانة والحرص على المال بغير حق يبعثون يوم القيامة فجارًا، نسأل الله العافية، لأن الغالب عليهم هكذا، الغالب عليهم الغش والكذب وعدم المبالاة والحرص على كل سبيل يورث المال وإن كان محرمًا من الربا والغش والكذب والخيانات وغير ذلك هذا الغالب، ولهذا قال فيهم: إنهم يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتق الله وبر وصدق ومن اتق الله في معاملاته وبر في أيمانه وصدق في حديثه فهو السليم، وهو الذي يحشر مع الصديقين والنبيين والشهداء لسلامة معاملته وصدقه وبره لحفظه لسانه عن الكذب، أما من آثر الدنيا على الآخرة ولم يبال بالكذب والخيانات والغش فقد تعرض لغضب الله، وتعرض أيضًا لتلف المال ومحق بركته، ولو كثر المال ولو كان كمال قارون، متى نزعت بركته صار ضررًا عليه، صار وبالًا عليه، صار زاده إلى النار، نعوذ بالله، وإن كان آلاف الملايين يكون أشد في عذابه ونكاله، فأهل الكنوز والأموال يعذبون يوم القيامة بأموالهم وكنوزهم وتحمى عليها ويعذبون بها مرة بعد مرة، كلما بردت عليه أعيدت عليهم يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، كلما بردت أعيدت، يكوون بها، تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، إذا ما أدوا حقها ولم يأدوا زكاتها.