فالأمر عظيم، والواجب كبير، وهذا فرض على الناس، كلام كثير من أهل العلم أطلقوا أنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقال آخرون: فرض عين، فعلى كل من رأى المنكر على ظاهر الحديث من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ولا منافاة بين القولين، ولا اختلاف بين القولين في الحقيقة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية إذا قام به من يكفي فرض على الكفاية إذا قام به من يكفي، فإذا كان مثلًا منكر في قريتك أو في قبيلتك وقام به غيرك قام بإنكاره والقضاء عليه غيرك سقط عنك القيام بذلك، المقصود حصل، أما إذا لم يقم به غيرك فإنه فرض عليك أن تقوم حتى تنكر هذا المنكر، فهو فرض عين عليك إذا لم تر من أنكره وقام به بإنكار فهو فرض عليك عين، كما قال النبي ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فعليك أن تقوم بذلك حسب طاقتك باليد مع القدرة كالأمير وشيخ القبيلة والإنسان في بيته والحسبة التي عينت من جهة ولاة الأمور لإنكار المنكر، كل هؤلاء يستطيعون بأيديهم في غالب الأمور.
فإن لم يستطع ذلك أنكر بلسانه، وقال للناس: هذا حرام، هذا لا يجوز، اتقوا الله، خافوا الله، راقبوا الله، يا فلان دع هذا فإنه لا يجوز، يا فلان اتق الله هذا العمل غير جائز، تنكر بلسانك فإذا عجز باللسان لأنه ممنوع من جهة ولاة الأمور ومتى خالفهم ضرب أو سجن أو أخذ ماله أو ما يضره من ماله صار عذرًا له يسقط الواجب، وينتقل إلى الواجب الثالث: وهو الإنكار بالقلب، والإنكار بالقلب فرض عين على الجميع، ليس لأحد قدرة أن يمنع القلب، فالقلب ليس لأحد أن يمنع القلب، فهو فرض على الجميع الإنكار بالقلب كراهة المنكر وبغضه وعدم الحضور مع أهله بل يفارقهم ويقوم من عندهم حتى لا يشاركهم في هذا المنكر كما قال سبحانه: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام: 68]، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140].