الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب حفظ النعم وزوال النقم

هكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض من الفروض دائمًا دائمًا، وهو من أهم الشكر لله جل وعلا، ومن أعظم الأسباب في حفظ النعم وزوال النقم أن تكون أمارًا بالمعروف نهاء عن المنكر أينما كنت في بيتك وفي الطريق ومع جيرانك وفي الأسفار، ليس الأمر مقصورًا على من ولي لهذا الأمر وبعث للحسبة لا، ليس مقصورًا عليه، ولكن واجبه أكبر، الواجب عليه أكبر لأنه خصص بهذا الأمر، وجعل له عليه مساعدة، فالواجب عليه أكبر، والمسؤولية أعظم، لكن بقية المؤمنين عليهم واجبهم، الواجب على المؤمنين والمؤمنات جميعًا عليهم واجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد السفيه، وأطره على الحق وإلزامه بالهدى، هكذا المؤمنون فيما بينهم وهكذا المؤمنات كما سمعتم في قوله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71] وعدهم بالرحمة على هذه الأعمال الطيبة، وعدهم بالرحمة على ما أوصاهم به، وعلى ما وصفهم به من الأخلاف العظيمة: من الولاية فيما بينهم، يتحابون في الله، ويتناصحون ويتواصون بالحق والصبر عليه، لا يتحاسدون، ولا يتناجشون، ولا يتباغضون، ولا يتدابرون، ولا يتناجشون، ولكن إخوة فيما بينهم إخوة في الله يتحابون في الله ويتناصحون في الله، هكذا أهل الإيمان.

فإذا رأيت في نفسك خلاف ذلك من حسد أو بغضاء لإخوانك المؤمنين أو غش لهم أو خيانة لإخوانك في بلدك أو في غيرها فاعلم أن هذا نقص في إيمانك، وضعف في إيمانك، وخطر عليك، ومن أسباب غضب الله عليك، وهكذا إذا تساهلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا تساهلت بهذا الأمر الواجب رأيت المنكر أمامك ثم لا تحرك ساكنا ترى المنكر في بيتك وفي جيرانك وفي الطريق أو في المسجد أو في المدرسة أو في الجامعة ولا تحرك ساكنا كأنك ما رأيت شيئا هذا خطر عظيم، والله جل وعلا وصف أهل الإيمان بأنهم أمارون بالمعروف نهاؤون عن المنكر، وذم كفار بني إسرائيل ولعنهم على عدم تناهيهم عن المنكر، لعنهم على ذلك وقال في حقهم: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79] بعدما أخبر أنه لعنهم فالله جل وعلا لعن كفار بني إسرائيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78] ثم فسر هذا العصيان فسر هذا الاعتداء بقوله: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].

ما الذي يخلصك من هذا المآل؟ هل أنت أكرم على الله منهم؟ أنت من بني آدم وهم من بني آدم، إنما الكرم بالتقوى لا كرم إلا بالتقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات:13] بنو إسرائيل بنو نبي، إسرائيل نبي من الأنبياء وهو يعقوب بن إسحاق يسمى إسرائيل هم بنوه، وبنو الأنبياء أشرف إذا استقاموا وهداهم الله، فإذا كان بنو إسرائيل وهم بنو الأنبياء إذا عصوا واعتدوا ذمهم الله ولعنهم فكيف بغيرهم؟!

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ما خص أحدًا دون أحد، من رأى يعم الرجال والنساء والحاضر والبادي، يعم المدن والقرى والبوادي، يعم كل مكان، ويعم الطائرة، ويعم الباخرة، ويعم القطار، يعم كل مركوب، أينما كنت فأنت مأمور بهذا، من رأى منكم منكرًا إذا رأيت في الطائرة في القطار في السفينة في الباخرة في أي مكان عليك أن تنكر حسب طاقتك.

من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان أضعف الإيمان القلب يتغير وجهك ويتغير قلبك منكرًا وتفارق المحل الذي فيه المنكر إذا لم تستطع إنكاره بلسانك ولا بيدك فارقته.

والمقصود أن الشكر يكون بالعمل، ويكون باللسان، ويكون بالقلب، فإذا ضيعت النعم في المعاصي والسيئات فالناس وشيكون وحريون بنزول العقوبات، نعوذ بالله من ذلك، إذا ظهرت المعصية ولم تنكر عمت العقوبات إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، وقال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53]، فإذا غيروا ما بأنفسهم من الصلاح إلى الفساد غير عليهم، وإذا غيروا ما بأنفسهم من الفساد والمعاصي إلى التوبة والرجوع إلى الله والإنابة غير لهم وصارت الحال أحسن ووفقهم الله وأعانهم وكفاهم وحماهم، فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر، وأن يكون كل منا على المستوى اللائق في إنكار المنكر، وفي التأثر بالنصيحة والعمل بها، ولا يكفي في نفسه، بل مع غيره يبلغ غيره يقول سمعت كذا وسمعت كذا يا أخي علينا أن نفعل كذا يشجع غيره ويبلغ غيره هكذا يكون العلم وهكذا يكون الخير، كان المصطفى عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس يقول: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، وربما رفع يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، يستشهد ربه على أنه بلغ الناس ما بعثه الله به وما أرسله به .

فأنتم كذلك إذا سمعتم هذه الندوات وسمعتم من أهل العلم النصائح عليكم أن تبلغوا عليكم أن ترشدوا غيركم وأن تأثروا بأنفسكم تعملوا بأنفسكم وتؤثروا على غيركم، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، والله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هؤلاء هم الرابحون آمنوا بالله ورسوله ثم صدقوا الإيمان بالعمل، ثم تواصوا بالحق فيما بينهم ودعوا إلى الله وتناصحوا، ثم تواصوا بالصبر أيضا على ذلك، هؤلاء هم أهل الفلاح هم أهل السعادة هم أهل الربح في الدنيا والآخرة.

وقال: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالذي يعين على المعاصي يعين على المسكرات يعين على شرب الدخان يعين على حلق اللحى يعين على الإسراف في الولائم في الأعراس في غير ذلك شريك في الإثم، يجب التعاون على الخير والهدى والصلاح والنفع العام للمسلمين وعدم التعاون على ما يضر المسلمين في أي مكان، والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يحقره، ولا يكذبه، ولا ينم عليه، ولا يغشه، ولا يخونه، ولا يشهد عليه بالزور، ولا يدعي عليه دعوى باطلة.

المسلم أخو المسلم في كل شيء، فإذا خالف ذلك فقد ظلم نفسه، وأخل بالأخوة الإيمانية، وضعف إيمانه بذلك، واستحق من الله ما يستحق من الجزاء على ظلمه لنفسه، وعلى تقصيره في واجب إخوانه.

رزقنا الله وإياكم الاستقامة، ونفعنا وإياكم بما نسمع وبما نعلم، ورزقنا جميعًا الفقه في الدين والثبات عليه، كما نسأله سبحانه أن يجزي إخوتنا أصحاب الفضيلة على ندوتهم خيرًا، وأن يضاعف مثوبتهم، وأن يوفق ولاة الأمور لما فيه رضاه.