فضل التصدق بالمال وتنوعه

وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام ذات يوم لأصحابه: على كل سلامى من الناس صدقة سلامى المفصل، يعني على كل مفصل من المفاصل صدقة؛ لأن الإنسان خلق من ثلاثمائة وستين مفصلًا، هذا الإنسان قاله النبي عليه الصلاة والسلام، فكل مفصل من نعم الله عليك، مفاصل يديك ورجليك وظهرك وغير ذلك من المفاصل التي أنعم الله بها عليك، تشرع لك الصدقة عنها، تصدق بما تيسر، والصدقة ما هو بالمال فقط بالمال وبغير المال، قال ﷺ: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة قال: وفي بضع أحدكم صدقة، بضعه يعني جماعه لزوجته، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فهكذا إذا وضعها في حلال يكون له أجر، فليست الصدقة محصورة في الأموال، ولهذا لما قال الصحابة يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، قال: «وما ذاك؟»، قالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، وفي لفظ: قالوا: لهم فضل الأموال يتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، ما عندنا أموال فقال عليه الصلاة والسلام: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟، يعني ما هو محصور في المال، فإن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، وفي لفظ آخر: والكلمة الطيبة صدقة الكلمة الطيبة تقولها لأخيك صدقة، أيضًا، وكل معروف صدقة.

ولما جاء فقراء المهاجرين وقالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، بما تقدم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولكن عندهم أموال يعتقون منها، ويتصدقون قال: ألا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثلما صنعتم، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة، ففعل الفقراء صاروا بعد كل صلاة يفعلون هذا، يسبحون الله ويحمدونه ويكبرونه ثلاثا وثلاثين مرة، يعني تسعًا وتسعين، فبلغ ذلك أهل الأموال اللي يتصدقون ويعتقون، فجعلوا يفعلون هذا مثل الفقراء، يسبحون ويحمدون ويكبرون، فجاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن إخواننا أهل الأموال سمعوا بما قلت لنا ففعلوا مثله، فقال النبي ﷺ: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

إذا جمع الله للعبد بين المال وبين عمل الصالحات هذا فضل عظيم، إذا رزق عبده المال ثم عمل فيه بالصالحات فهذا فضل عظيم، الإنسان في هذه الدنيا موظف بالمال لا يتصرف فيه حسب هواه، هذا المال عارية عندك ووديعة عندك وأمانة أنت مستخلف فيه من جهة الله جل وعلا، فعليك أن تعمل فيه بطاعة الله، وأن تحذر صرفه في الحرام في الإسراف والتبذير في المعاصي في الخمور في الملاهي في الزنا في الفواحش، هذا المال ما هو لك الله أعطاك إياه ليعينك به على طاعته وفي المباحات لا في الحرام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة رواه البخاري.

يتخوضون في مال الله يعني يلعبون في مال الله بغير هدى وبغير نظر بما يبيحه الشرع، فلهم النار يوم القيامة نعوذ بالله، فالإنسان يتقي الله فيما أعطاه الله من المال، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، نعم المال الطيب من الكسب الطيب للرجل الصالح الذي ينفق في المشاريع الخيرية، ينفق في الفقراء والمساكين، يواسي الفقير والمسكين، يستعين بالمال على طاعة الله كما قال سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7].

وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما من يوم يصبح فيه الناس إلا وينزل فيه ملكان أحدهما يقول: اللهم أعط منفقًا خلفا، والثاني يقول: اللهم أعط ممسكًا تلفًا، فالبخل عاقبته وخيمة، والصدقات والإنفاق في وجوه الخير عاقبتها حميدة، فالخلف من الله والبركة والأجر العظيم كما قال : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول الله جل وعلا فيما رواه نبيه عنه يقول الله سبحانه: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك، والنبي يقول: تصدقوا، ويقول لهم: إن على كل سلامى صدقة على كل سلامى منكم صدقة، يعني كل مفصل، فقالوا: يا رسول الله! فإن لم يجد ما عنده مال يتصدق، قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق يعمل بيده يكتسب فينفع نفسه ويتصدق، هكذا المؤمن يعمل في المكاسب الطيبة المباحة في التجارة في الزراعة في النجارة في الحدادة في أي صنعة مباحة تنفع الناس يأكل منها وينفق منها.