الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي قام بها صاحبا الفضيلة: الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، والشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان فيما يتعلق بالسفه والسفهاء وأعمال السفه، وما ينبغي لأولياء الأمور ولأولياء السفهاء في موضوع السفهاء، وقد أجادا وأفادا وبينا في ذلك ما ينبغي بيانه، فجزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوباتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وسمعنا، وهدانا جميعًا صراطه المستقيم.
ولا ريب أن السفه داء عظيم وخطره كبير، وقد أوضح الشيخان الكثير من نتائج السفه، ومضار السفه على السفيه نفسه وعلى والديه وقراباته وعلى المجتمع جميعًا، فالصغير والمجنون وغير الرشيد وإن كان بالغًا مضارهم كثيرة إذا أطلق لهم العنان ولم يحفظوا عن الأذى، وقد أرشد الله إلى هذا فيما سمعتم من الآية الكريمة التي تلاها الشيخان وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5].
فبين سبحانه وتعالى أن السفهاء لا يجوز أن يؤتوا الأموال، وقد يكون السفيه رجلًا كبيرًا ذا لحية، وقد يكون امرأة كبيرة، وقد يكون صغيرًا، والمهم وصف السفه، إذا كان الرجل سفيهًا أو المرأة سفيهة لا تحسن التصرف في الأموال، أو لا يحسن التصرف في الأموال مع كبر سنه فله حكم الصغار في منعه من التصرف في الأموال، والأخذ على يديه، والأخذ على يديها أيضًا؛ لأن هذا المال جعله الله متاعًا للعباد، وجعله الله قيامًا لهم، وجعله وسيلة لتحصيل المصالح ودرء المفاسد، لإقامة السكن، لإقامة المشاريع الخيرية لتعمير المساجد والمدارس لحفظ الأرواح والنفوس إلى غير ذلك، لإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، لمواساة الفقراء والمساكين.
فالمال له شأن عظيم إذا أحسن استعماله، وإذا تولاه المرشدون الأخيار نفع الله به الأمة في دينها ودنياها، وإذا تولاه السفهاء وضعفاء البصيرة وأصحاب الجرائم والمفاسد والمعاصي أضر بالناس، وانعكست الحقيقة، وصارت الجرائم لا تحصى، والشرور لا تقف عند حد بأسباب تولي السفهاء للأموال، وإذا مكنهم المرشدون من آبائهم وأمهاتهم شاركوهم في الإثم، وشاركوهم في العقوبة، إذا مكن ولاة الأولاد الصغار والسفهاء إذا مكنوهم من التصرف في الأموال وأعطوهم الأموال شاركوهم في الآثام وشاركوهم في المضار والجرائم، كما سمعتم في الندوة.
فعلينا أن نستفيد مما نسمع ونعلم، وأن نأخذ بالفائدة، فإن المؤمن وأهل البصائر يستمعون القول ثم يأخذون بأحسنه ويتبعون أحسنه، لا يكون حظهم مجرد السماع هذا خطر عظيم، يروى عنه أنه قال: ويل....... القول يعني ويل لمن ترى بأذنه النصائح والفوائد ثم لا يستفيد ويصر على عمله السيئ يقول جل وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، الإصرار جريمة عظيمة، وخطره عظيم، والشكر للنعم من أهم الفرائض، ومن ذلك حفظ المال وصيانته وعدم تولي السفهاء له.