الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن القفاري، والشيخ عبدالرحمن بن حماد العمر، والشيخ حمد بن ....... فيما يتعلق بمواساة الفقراء والإحسان إليهم، والإنفاق مما خول الله العبد في سبل الخير، والتحذير من البخل، أو صرف الأموال فيما لا ينبغي، ولقد أجاد المشايخ وأفادوا، جزاهم الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا.
ولا ريب أن الموضوع الذي طرقه المشايخ موضوع جدير بالعناية، والمسلمون مأمورون بأن يكونوا شيئًا واحدًا جسدًا واحدًا وبناء واحدًا في التعاون على البر والتقوى، وفي التعلم من بعضهم لبعض، ودعم بعضهم بعضًا، ومواساة بعضهم بعضًا في كل الأمور، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فالمؤمنون إخوة فعليهم الإصلاح فيما بينهم، وعليهم أن يواسي بعضهم بعضًا، وأن يردعوا ظالمهم ويحسنوا إلى مظلومهم ويعطوه ظلامته، وأن يواسوا فقيرهم ويشدوا عضده وأن يعينوا إخوانهم الفقراء على سد حاجاتهم، ويقول النبي ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه. ويقول عليه الصلاة والسلام: مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فالمؤمنون واجبهم التعاون فيما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وإذا كان التعاون في المال لمواساة الفقير والمحتاج من أهم المهمات فالتعاون فيما هو فوق ذلك من التناصح في الدين والتعاون على طاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم وأكبر، فلا سبيل إلى صلاحهم واستقامتهم ونجاتهم من عذاب الله إلا بالله، ثم بالتعاون على ما يرضيه سبحانه، وعلى الدعوة إلى سبيله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر عليه، حتى يسلم الجميع من غضب الله، وحتى يفوزوا بكرامته وإحسانه ودخول جنته، فهم في الحقيقة شيء واحد فيما يتعلق بتعاونهم في إصلاح أقوالهم وأعمالهم وتمسكهم بدين الله وقيامهم بحقه، وهم شيء واحد فيما يتعلق أيضًا بمواساة بعضهم بعضًا، والإحسان من بعضهم إلى بعض من الزكاة وغيرها، فالله جعل الزكاة فرضًا تصرف في مصارفها الشرعية، ثم أمرهم مع هذا بالإنفاق علاوة على الزكاة؛ لأن الزكاة قد لا تكفي وقد يكون الفقير المستحق قد يكونوا كثيرين لا تكفيهم الزكاة فيحتاجون إلى المزيد من المواساة من غير الزكاة، ولكن مثل ما تقدم في هذا الوقت الخطير في وقت الغربة أعظم من ذلك وأشد ما يتعلق بصلاح أمور الدين صلاح القلوب وصلاح الأعمال، فكون المؤمن يرى أخاه على المعصية وعلى الإعراض عن دين الله والغفلة فلا ينصحه ولا يوجهه إلى الخير ولا يأمره بالمعروف ولا ينهاه عن المنكر هذا أعظم من خطر نقص المال.