أصول الإيمان الستة وأثرها في استقامة العبد

ثم شرع لك أخلاقًا في الإسلام عظيمة أخرى من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأن هذا خلق لا بد منه، لا بد من هذا الخلق الإيماني، لا بد من أن تستقيم عليه مؤمنًا بالله ربًا وخالقًا ومدبرًا ، ولا بد من الإيمان بملائكته الكرام الذين خلقهم الله من النور وجعلهم في طاعته لا يعصونه ما أمرهم سبحانه وتعالى، وتؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء لبيان حق الله والدعوة إلى ما يرضيه من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وتعنى بالرسل عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله إلى هؤلاء الناس إلى بني آدم والجن، بعثهم الله يدعونهم إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، إلى توحيد الله وطاعته، إلى ترك الإشراك به ومعصيته، إلى كل خلق كريم، وإلى كل عمل صالح ينفع العباد والبلاد، وتؤمن أيضًا باليوم الآخر، فهو يوم عظيم، يوم البعث بعد الموت، يوم النشور، يوم الوقوف بين يدي الله، جاءت الكتب والرسل تذكر بهذا اليوم، ومن الأخلاق العظيمة والصفات الكريمة والعبادات المفترضة أن تكون على يقين من هذا اليوم، والإيمان بهذا اليوم والإعداد له، وهو يوم البعث والنشور يوم عسير على الكافرين ميسر للمؤمنين، فيه الوقوف بين يدي الله، وفيه مجازاة على الأعمال، فيه الأهوال العظيمة، فيه جمع الناس أولهم وآخرهم في صعيد واحد، فيعطى كل واحد كتابه إما بيمينه وإما بشماله، فيه تزف الجنة لأهلها، وفيه تبرز النار لأهلها، ثم بعد ذلك ينتهي الموقف إلى دارين، ينتهي هذا الموقف إلى دارين: دار النعيم والسعادة والكرامة لمن اتقى الله في الدنيا، واستقام على الأخلاق الكريمة، وطاعة الله ورسوله، ودار الهوان والعذاب والشقاء لمن حاد عن أمر الله، وتابع الهوى والشيطان، وحاد عن الخلق الكريم، ورضي بالخلق الذميم، فيصير إلى النار وبئس المصير، نعوذ بالله من ذلك، هذه نهاية العباد في هذه الدار، نهايتهم إلى اليوم الآخر إلى يوم القيامة، ثم بعدها اليوم العظيم والموقف العظيم والأهوال العظيمة بعد ذلك ينتهي إما إلى الجنة وإما إلى النار.

ومن الأخلاق الإيمان بقدر الله من الأخلاق الكريمة من أصول الإيمان وهو الأصل السادس الإيمان بأقدار الله أن الله قدر كل شيء وكتبه عنده، فكتب أعمالنا، وآجالنا، وأرزاقنا، ومصائبنا، وملوكنا، وهذا يعزل، وهذا يبقى، هذا وهذا يبقى كذا، وهذا يقتل، وهذا يموت، وهذا يذل، وهذا يعز، وهذا كذا وهذا كذا، وهذا يعمر كذا وهذا عمره كذا، وهذا كذا وهذا كذا، تكون بعد ذلك في غاية من الراحة والطمأنينة، تعلم أنه لن يصيب إلا ما كتب الله لك، تعلم أن أجلك بيد الله، ورزقك بيد الله، فتكون مرتاح الضمير مرتاح النفس تعمل وتكدح وتجتهد، وتعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، هكذا المؤمن مرتاح النفس مرتاح الضمير طيب النفس طيب الخلق سائر فيما شرع الله له، مؤمن بما أوجب الله عليه، مستقيم على طاعة ربه، متباعد عما نهى الله عنه، يعلم أن الأمور بيده سبحانه، وأنه جل وعلا الخلاق العليم، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الأمور بيده سبحانه وتعالى يصرفها كيف يشاء، فهو يتبع ما أمر به، وينقاد لما أمر به، ويتفقه في دينه، ويتبصر ويسأل ماذا أراد ربي مني، ماذا يريد مني ربي فيسارع، ماذا نهاني عنه ربي فيبتعد، هكذا المؤمن منشرح الصدر طيب النفس طيب الخلق، لا يهمه إلا أن يعرف ما يرضي ربه ويصير إليه ويستقيم عليه، ويسأل ويجتهد بمعرفة ما يكرهه الله وما ينهى الله عنه وما يسخط الله فيبتعد عن ذلك ويحذر ذلك، فهو عبد مأمور يسارع إلى أوامر ربه، ويتباعد عن مناهيه، ويقف عند حدوده عن طيب نفس وعن راحة ضمير، يعلم أن كل شيء بيده، وأنه عبد مأمور مطلوب منه أن يطيع مولاه، وأن يستقيم على شرعه، وأن يتباعد عما نهى عنه، فإذا سار في هذا الطريق سار في طريق الجنة، وطريق السعادة، وفي طريق الخير والهدى، في طريق النجاة في الدنيا والآخرة.