فالواجب على المؤمنين التعاون في الأمرين بصلاح القلوب وصلاح الأعمال بالدعوة إلى الله والإرشاد إليه، والتناصح في دين الله، والتواصي بالحق والصبر عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والرفق والحكمة؛ لأن ذلك أقرب إلى قبول الحق والتأثر بالنصيحة، والانتفاع بالدعوة كما أن عليهم أن يواسوا فقيرهم ويرحموا ضعيفهم ويعينوه على الخير، وقد سمعتم ما ذكر المشايخ من الآيات والأحاديث في فضل الإنفاق والإحسان قال جل وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[الحديد:7] هذا أمر عظيم أمر جل وعلا بالإيمان وبالإنفاق، مع الإيمان جعله قرين الإيمان وجعلك مستخلفًا، المال مال الله وأنت الخليفة في هذا الشيء لتنفق في سبيل الله وتحسن وتواسي الفقير، وقال جل وعلا: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا[الإسراء:26]، فعليك أن تنفق وتحسن في وجوه البر والإحسان وتعطي الفقير والمسكين وذي القربى من جهة صلة الرحم ولا تبذر وتسرف، فأنت منهي عن الإسراف والتبذير، فلا تبذير: وهو صرف المال في غير وجهه، ولا إسراف: وهو الزيادة في غير وجهه، الزيادة في المال بغير وجه شرعي.
وقال جل وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[النساء:36] أمر بعشر مسائل في هذه الآية، أولها: توحيد الله، أمر بتوحيده سبحانه والإخلاص له، وهو أعظم الواجبات وأهم الفرائض، ثم أتبع ذلك بالأمر بالإحسان إلى الوالدين وبر الوالدين؛ لأن حق الوالدين عظيم وبرهما من أهم الواجبات، وهو قرين توحيد الله، بر الوالدين قرين حق الله الذي هو التوحيد أعظم الواجبات، فعلم بذلك أن الإحسان إليهما من أهم الفرائض، وأن برهما من أهم الواجبات، كما جعل العقوق قرين الشرك، فالعقوق قرين الشرك، وبر الوالدين قرين التوحيد والإيمان، وهذا يدل على عظم الأمر، وتجد بعض الناس يعقهما ويسيئ إليهما ولا يبالي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فجعل العقوق قرين الشرك، وهذا في الصحيحين عن النبي ﷺ، ثم جعل مع العقوق والشرك ذنبًا آخر وهو شهادة الزور وقول الزور؛ لعظم شر شهادة الزور، ولما يترتب عليها من الفساد العظيم، وسفك الدماء بغير حق، وضرب الأبشار بغير حق، وأخذ الأموال بغير حق، وقطع الأيدي بغير حق، إلى غير ذلك بسبب شهادة الزور.