عظم منزلة التوبة ووجوبها في كل وقت

أما بعد: فقد سمعنا جميعًا هذه الكلمة المباركة من صاحب الفضيلة: الشيخ إبراهيم بن عبدالله بن غيث جزاه الله خيرًا، فيما يتعلق بالتوبة، ووجوب المبادرة إليها، والمسارعة إليها، ومحاسبة النفس عن كل ما يأتي العبد ويذر، وهي كلمة بحمد الله طيبة وعظيمة في نفسها وفي موضوعها، فجزاه الله خيرًا، وزاده علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا من هذه الكلمة الطيبة، وما فيها من الخير العظيم، وجعلنا وإياكم ممن يتعظ ويتذكر ويستمع القول فيتبع أحسنه، إنه جل وعلا جواد كريم.

إن التوبة أمرها عظيم، وهي فريضة دائمًا على المؤمن أن يلتزم بالتوبة دائمًا، إذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع هذا يلازم التوبة، ويقول: يا أيها الناس توبوا إلى ربكم واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، ويقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، في الحديث الآخر ويقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "كنا نعد للنبي ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم في المجلس، فهذا يدل على عظم عنايته ﷺ بالتوبة والاستغفار مع كونه سيد الأولين والآخرين، ومع كونه مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك يعنى بهذا الأمر العظيم ليزداد من فضل ربه وإحسانه سبحانه وتعالى، وليسن للناس كثرة الاستغفار والتوبة؛ لأنه الأسوة عليه الصلاة والسلام لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فإذا علم المؤمنون كثرة استغفاره وتوبته تأسوا به في ذلك عليه الصلاة والسلام واستكثروا من التوبة والاستغفار، وقد سمعتم أن المفلس في الحقيقة هو الذي يلقى الله جل وعلا وعليه ذنوب أكثر مما عنده من الحسنات هذا المفلس، المفلس في الدنيا عند الناس هو الذي لا درهم له ولا متاع، يعني: ليس عنده نقود ولا أموال أخرى، هذا المفلس عند الناس، وهو مفلس اللغة العربية، وهو مفلس عند القضاة، حيث يحجر عليه عند الحاجة إلى ذلك، لكن المفلس في الحقيقة الذي هو أولى بهذا الاسم وأحق بهذا الاسم هو الذي يأتي يوم القيامة بأعمال يعني أعمالًا عظيمة من صلاة وصوم وزكاة ويأتي وقد ضرب هذا وسفك دم هذا وشتم هذا وقذف هذا وأخذ مال هذا، يعني عليه أوزار كثيرة لم يتب منها ولم يعط أهلها حقوقهم، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته ولم يقض ما عليه حمل عليه تلك الأوزار الباقية ثم طرح في النار، نسأل الله العافية، هذه هي الخسارة العظيمة، وهذا هو الإفلاس الكبير، نسأل الله العافية.

والله يقول سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] يبين سبحانه أن من لم يتب فقد ظلم نفسه، فعليك -يا عبد الله- أن تعنى بالتوبة حتى لا تلقى ربك وأنت ظالم محملًا بالأوزا،ر عليك بالتوبة قبل أن تلقى ربك، بادر بها قبل حضور الأجل، بادر بها وأنت صحيح شحيح حتى تسلم من شر هذه الذنوب، وحاسب نفسك دائمًا كما قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، يأمرنا سبحانه أن ننظر ماذا قدمنا للآخرة، والمعنى حاسبوا أنفسكم وانظروا ماذا قدمت للآخرة من أعمال صالحة أو أعمال سيئة، فمن قدم أعمالًا صالحة فليحمد الله وليشكر الله على ذلك، وليسأله الثبات ، فإنه على خطر ما دام هذه الروح في الجسد، فيسأل ربه الثبات على الحق حتى يلقى ربه سبحانه، ومن كان قدم أعمالًا سيئة ومعاصي في جنب الله فليبادر بالتوبة.