فهذه الندوة التي سمعتم لها شأن عظيم، فينبغي لكل منكم أن يبلغ من وراءه لا يغفل، كان النبي ﷺ إذا خطب الناس يهتم بالخطبة عليه الصلاة والسلام، ويغضب في الخطبة، ويسمع الناس إذا خطب علا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم عليه الصلاة والسلام، ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله يعني القرآن، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول في آخر خطبته: فليبلغ الشاهد الغائب، ويقول: بلغوا عني عليه الصلاة والسلام، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، قد يكون الإنسان ما عنده بصيرة ما عنده فقه ما يفقه لكن إذا بلغ غيره انتفع ذلك المبلغ، قد يساعده بعد هذا ويعينه على الفهم، كم لله من مبلغ ذكي أكمل من السامع، فينتفعان جميعًا، ويتعاونان جميعًا، ولما خطب الناس في حجة الوداع يوم عرفة عليه الصلاة والسلام ويوم النحر أيضًا خطبهم في عرفة وفي يوم النحر، وبعد ذلك أيضًا قال خطبته يوم عرفة في مجمع عظيم وهو على راحلته عليه الصلاة والسلام على الدابة على البعير لما خطبهم وذكرهم، وبين لهم التوحيد، وبين لهم أن ربا الجاهلية موضوع، وأن دماء الجاهلية موضوعة، علمهم ما يحتاجون إليه، وأوصاهم بالقرآن أوصاهم بالقرآن أن يتمسكوا به، وبالسنة أن يتمسكوا بها عليه الصلاة والسلام، وقال: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله، وفي رواية: وسنتي.
فهذه وصيته ﷺ أوصى الناس يوم عرفات أن يتمسكوا بالقرآن والسنة، وأن يعتمدوا عليهما، ويثقوا بهما، ويستوصوا بهما، ويتفقهوا فيهما، فمادام الناس معتصمين بالكتاب والسنة فهم ناجون، وإن حادوا عنهما هلكوا.
ثم قال بعد ذلك لما خطبهم وذكرهم قال: وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ تسألون يوم القيامة وأنتم تسألون عني، يعني يوم القيامة، فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع أصبعه إلى السماء هكذا ثم ينكبها إلى الناس، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، يقول: اشهد عليهم أني بلغتهم، وأنهم اعترفوا بأني بلغتهم وهم رسل من وراءهم الذي حضروا في عرفات، هم رسل من وراءهم يبلغونهم، وهكذا في يوم النحر لما خطبهم قال: فليبلغ الشاهد الغائب يوم النحر في منى لما خطبهم وقال: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، وقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ ثم قال: فليبلغ الشاهد الغائب.
فأنتم -أيها الإخوة- عليكم هذا الواجب، عليكم تقوى الله أينما كنتم، عليكم أن تبلغوا ما سمعتم لمن وراءكم من أهل وأولاد وإخوان وجيران في السفر في السيارة في الطائرة في أي مكان، عليكم أن تبلغوا إذا حضرتم مجلس علم قال الله وقال رسوله، مثل هذه الندوة وغيرها إن حضرتم مجلس علم واستفدتم منه علومًا وأحكامًا تنفعكم في الدنيا والآخرة فبلغوها إلى أناس ما يعرفونها، إلى أناس جهال ما يحضرون العلم ولا يحضرون حلقات العلم من النساء أو من غير النساء أو من الحاضرة أو من البادية، بلغوهم.
ثم اعلموا أن لكم أجرًا في هذا البلاغ، لكم مثل أجورهم إذا بلغتموهم، لكم مثل أجورهم، يقول النبي ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، هكذا يقول ﷺ، ويقول: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ويقول لعلي لما بعثه إلى خيبر لعلي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين جميعًا لما بعثه إلى خيبر قال له: ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، أي اليهود، ثم قال: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم، خير لك من جميع النوق الحمر؛ لأن العرب تعظم النوق الحمر، ولها شأن عندهم، والمعنى أنه هداية واحد من اليهود أو من النصارى أو من غيرهم خير عند الله للعبد من جميع الدنيا النوق الحمر مثال وهي من باب التمثيل، والحقيقة أن من هداه الله على يديه ولو واحدًا من الناس خير له من الدنيا كلها ذهبها وفضتها وإبلها وسياراتها وغير ذلك؛ لأن في هداية رجل واحد خير لك، عظيم أجور، عظيم وفضل كبير احتسبوا واصبروا وصابروا، واتقوا الله في التفقه والتعلم وإبلاغ من وراءكم ترجون ثواب الله وتخشون عقابه وتنفذون وصية رسول الله، الرسول أوصاكم أبلغكم وصية الرسول ﷺ هذا تبليغ لوصية الرسول ﷺ، الرسول أوصى بهذا، فعلينا أن نبلغ وصيته عليه الصلاة والسلام، علينا أن نحملها ونبلغها عن إيمان، وعن اقتناع، وعن رغبة أينما كنا، في أي مكان في الطائرة ولو في أمريكا ولو في إنجلترا في أي مكان في البادية في الحاضرة في السجن في أي مكان يبلغ الإنسان ما علم من الحق لكن على بصيرة، لا يبلغ عن جهالة، لا بد يتثبت في الأمور، فإذا علم أن هذا هو الحق وسمع أنه هو الحق يبلغ الناس ما سمع من الخير.
رزقنا الله وإياكم الاستقامة، وهدانا وإياكم صراطه المستقيم، ونسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعًا في كل مكان، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى.