ولكن يجب على المسلم أن يطلب العلم، ويتفقه في الدين، وأن يحذر كل ما يضره في دينه ودنياه، وأن يغلق سمعه عما يضره، وأن يجتهد مع أهله حسب الطاقة فيما ينفعه، وفيما يدفع عنهم الضرر، وعلى الأعيان من العلماء والمصلحين ألا يسكتوا، وأن يناصحوا من ولاه الله أمرهم، وأن يتكلموا بما فيه النفع للمسلمين، لا يجوز السكوت لمن له قدرة، فالعالم يتكلم والمصلح يتكلم، ومن له شأن يتكلم مع ولاة الأمور، ومع المسؤولين بما يرجو فيه الخير بالأساليب الحسنة والكلمات الطيبة والنصيحة الصافية، فإن ذلك له آثار، أما السكوت أن يسمع ويسكت فليس هذا من شأن أهل العلم والإيمان، وليس هذا من شأن أهل الإصلاح، بل على طالب العلم إذا سمع ما يضر المسلمين ولاسيما في إذاعة بلاده في مثل هذه البلاد التي بحمد الله فيها الخير الكثير وولاة الأمر يصغون لمن ينصح -ونسأل الله أن يوفقهم للعمل- يجب التكاتف، ويجب التعاون على أهل العلم أن يرفعوا لولاة الأمور ما يسمعون من الأخطاء، ويبلغونهم أنهم سمعوا كذا وسمعوا كذا، وأن هذا لا يجوز، وأن هذا منكر، وأن هذا يضر المسلمين، فإذا رفع هذا ورفع هذا ورفع هذا وكتب هذا ونصح هذا تجمعت الأمور الطيبة، وتجمع الكلام الطيب وصارت له الآثار الصالحة، فإن هذه الأمور يتولاها أناس أكثرهم جهلة، وأكثرهم مغرضون، وأكثرهم لا علم عنده، وأكثرهم إنما يهمه المادة، وأكثرهم يرتاح للفساد، ولا يرتاح للصلاح، يرتاح لإقبال الزنا والفواحش والخمور، ولا يرتاح لقال الله وقال رسوله، فلا بد من طرح هؤلاء والكتابة عن هؤلاء، وأن يقال فلان يصلح، وفلان لا يصلح، على كل من علم ذلك، من له رغبة في الخير ومحبة للخير أن يكتب لمن يظن أن عنده فائدة في هذا يكتب ويقول: سمعت كذا ورأيت كذا، وفلان يصلح وفلان لا يصلح، حتى يصلح التعاون في إزالة الأشرار وإبعاد الأشرار وإبقاء الأخيار، فإن زيدًا قد يكون عنده علم، والآخر ما عنده علم، وعمرو يكون عنده كذا، فإذا كان كل واحد يبدي ما لديه فقد تكون عندك يا عبد الله معلومات عن شخص مسؤول في التلفاز أو في الإذاعة أو في الصحافة وليس عند الآخر ذلك العلم، فينبغي لمن كانت عنده معلومات عن مفسد أن يرفع عنها، وعن مصلح أن يرفع عنه للتثبيت والشكر له على عمله الطيب، والمفسد يسعى في إبعاده، والغلطان ينبه، فإذا عاد إلى غلطه وتعمد الغلط فيسعى في إزالته وإبعاده.
هكذا يجب التعاون بين العلماء والأخيار والمصلحين والأمراء، وعلى كل من له أدنى قدرة هكذا يكون التناصح والتعاون يقول الله : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، لا بد من التواصي في وسائل الإعلام وفي غير ذلك، فوسائل الإعلام إذا أريد إصلاحها صلحت إذا توجهت الهمة للعالم إلى إصلاحها أصلحها الله، ولكن المصيبة عدم التوجه إلى هذا الأمر، وعدم القصد له، وعدم الإرادة له، فكيف يصلح ولم يرد إصلاحه، إرادة الإصلاح تحتاج إلى عناية، وإلى توجيه، وإلى تكاتف وتعاون حتى يزال المفسدون، وحتى يبقى المصلحون، وحتى توجد البرامج الصالحة النافعة في الدين والدنيا.
البرامج ليس من اللازم أن تكون في الصلاة وفي الحج دائمًا أو في الصيام دائمًا، أو في كذا دائمًا، تكون متنوعة، البرامج يمكن تنويعها، هذا في الصلاة، هذا في المعاملات، هذا في مسائل دنيوية تنفع الناس، هذا في الطب، هذا في الأدب، هذا في كذا، هذا في التاريخ، هذا في كذا، هذا في كذا، فإذا نوعت البرامج فيما يتعلق من نفع الديني والدنيوي أخذت الوقت، وأغنى الله بها عن الفساد والغناء والشر.
المقصود من هذا كله -أيها الإخوة- أن الواجب على أهل العلم والإيمان وعلى كل من له قدرة أن يبذل كلمة، أن يبذل وسعة، وألا يقول: جرى كذا ويسكت، يقول: جرى ويعمل، يتصل بفلان وفلان بالعالم الفلاني والمسؤول الفلاني والأمير الفلاني مشافهة أو كتابة، فيقول: سمعت كذا ورأيت كذا، والواجب كذا، والواجب كذا، وينصح ويوصي ويتقي الله، إن قبل منه فالحمد لله، وهذا هو المطلوب، وإن لم يقبل فقد أدى ما عليه، ولا يكون مرة ولا عشر ولا مئة ....... يستمر يستمر دائمًا حتى يموت وهو يرفع ويكتب ويسعى في الإصلاح، ولا ييأس أهل الباطل، ما يئسوا النصارى، ما يئسوا الشيوعيون، ما يئسوا دعاة الهدم، ما يئسوا مستمرين في الهدم، مستمرين في الفساد والشر ما تعبوا، فلا يجوز لأهل الإصلاح والدعوة إلى الله والمحبين للصلاح والإصلاح لا يجوز لهم أن يتعبوا في هذا وأن يملوا ويكسلوا وييأسوا، بل يجب أن يستمروا أبدًا يجب أن يستمروا ما داموا أحياء، يجب أن يسعوا في الإصلاح بكل وسيلة مع ولاة الأمر، ومع كل من يظنون أن له أثرًا أو تأثيرًا، حتى يحصل التكاتف، حتى يحصل التعاون، إذا كنت علمت أنت هذا الخطأ من فلان والآخرون ما علموا كيف يقومون؟ فإذا بلغتهم ربما ساعدوك ربما قاموا، وهكذا الآخر، وهكذا الآخر، وهكذا الآخر، فيجب التعاون، ويجب فضح المجرم ونصيحة الذي ليس له عادة، إذا أخطأ ينصح حتى لا يعود لخطأه، فإذا عرف أنه يعود وإنه يكابر ولا يبالي سعى في إزالته وإبعاد الحبل هذا الذي تعرفون، الحبل إذا مر على الحجر مرات أثر على الحجر خطوط في الحجر والحجر يابس، فالنصائح والكلام مع ولاة الأمور ومع المسؤولين والتكرار في مصالح المسلمين وفي هداية المسلمين وإبعادهم عن الشر له آثاره العظيمة، وله منفعته العظيمة، وله عواقبه الحميدة، فلا ينبغي لنا أبدًا لا ينبغي للمؤمن ولا ينبغي لطالب العلم ولا ينبغي للمصلح ولا ينبغي لكل مسؤول أن يمل من الإصلاح أو يتعب من التوجيه أو يكسل أو ييأس، الله يقول: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87]، لا يجوز اليأس، فالقنوط من رحمة الله واليأس من أكبر الكبائر، فيجب الحذر من ذلك.
وأنتم تعلمون كلكم تعلمون أن هذه الوسائل خطيرة جدًا، وأنها أسلحة خطيرة تحمل السم الزعاف إلا في القليل منها، ولاسيما غالب الإذاعات وغالب الوسائل، ووسائل هذه البلاد فيها شر وخير، فيجب أن يعالج الشر، فإن هذا التلفاز وهذه الإذاعة كلتاهما داخلتان في البيوت على النساء والمخدرات وعلى المريض وعلى كل أحد، فالواجب أن يبذل كل المستطاع مع ولاة الأمور في الإصلاح، ولا يقال هذا على فلان فقط، أو على فلان، أو على فلان لا، هذا على الأمة كلها، ولاسيما الأعيان والمعروفون، والمسؤولون، وأهل العلم، والمسؤولون من غير أهل العلم، كل عليه نصيبه في الحديث، ما منكم إلا على ثغرة من ثغور الإسلام ،فليتق الله أن يؤتى الإسلام من جهته، والله عمم هذا فقال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3].
فعلينا جميعًا وعلى كل مسلم في أي بلاد الله ولاسيما في هذه البلاد وفي هذه الدولة عليه أن يسعى جهده في الإصلاح والخير إن كان صادقًا، وعليه أن يتقي الله في أموره كلها، في بيته، في دكانه، في طريقه، في مسجده، في الطائرة، في السيارة، في القطار، في كل مكان، عليه أن يتقي الله، وأن يحذر ما حرم الله، وأن ينصح من يراه، يعمل ما حرم الله، ينصح بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والرفق، لعل الله ينفع به ويهدي به، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: من دل على خير فله مثل أجر فاعله ماذا بعد هذا الخير العظيم؟ من دل على خير فله مثل أجر فاعله، قلت: يا أخي ترى الدخان مضر أطفأ السجارة وأطفأها تائبًا إلى الله لك مثل أجره، قلت للآخر: الخمر محرم ومنكر فتركه وتاب لك مثل أجره، وقلت للآخر: يا أخي الصلاة عمود الإسلام اتق الله الصلاة الصلاة، فقال: جزاك الله خيرًا وصلى، فلك مثل أجره، كتبت لولاة الأمور وقلت هذا ما يجوز فهداهم الله بأسبابك لك مثل أجورهم، كتب للآخر أو تكلمت مع الآخر في الربا في عقوقه لوالديه في ظلمه لزوجته في ظلمه لجيرانه فهداه الله بأسبابك يكون لك مثل أجره، هذا خير عظيم.
ويقول ﷺ: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا، وقال لعلي لما بعثه إلى اليهود في خيبر يدعوهم إلى الله قال: لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم، فعلينا يا إخواني ألا نكسل وألا نيأس، وعلى أهل العلم بوجه أخص أن يتقوا الله، وأن يؤدوا واجبهم بالعناية مع ولاة الأمور لإصلاح الأوضاع، لإصلاح وسائل الإعلام لتطهيرها لما فيها من شر، لإزالة الأشرار اللي فيها، حتى يولاها الأخيار، وحتى تربط وتحفظ، وحتى توجد الضوابط التي أشار إليها الشيخ محمد حسن الدريعي، وهكذا يجب أن تنزه ويبعد منها ما يضره، هكذا يجب على المؤمنين أن يتعاونوا، وأن يتناصحوا، وأن يتكاتفوا في كل مكان، وهكذا في وسائل الإعلام في الدول الإسلامية الأخرى، هذه أيضًا على أهل العلم فيها وعلى المصلحين فيها أن يقوموا باللازم، وعلى أهل العلم أن يبذلوا وسعهم معهم ويتناصحوا في المكاتبات والتعاون والتناصح حتى يكون للجميع نشاط ملموس في قصد الإصلاح، ثم ماذا لو سجن الإنسان، لو سجن وش يضره، سجن من هو أفضل منه الأنبياء والصالحون، لو سجن واحد أو اثنين أو عشرة أو مئة ....... دولته في الإصلاح وفي الخير ما يضره ذلك، يرفعه الله درجات ولا يضره ذلك، وهكذا لو تكلم عليه أو رأى شيئًا يسوؤه ما يضره ما دام في الله وفي سبيل الله، فهو على خير عظيم، له قدوة بالأنبياء والمرسلين والدعاة الصالحين قبله.
نسأل الله لنا ولكم الهداية، ونسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد.