ولما شعر العلماء بمضرة الربا وسوء عاقبته بينوا المخارج، وبينوا الطرق التي تقي شر الربا، وأوضحوا ذلك في كتبهم، وبينوا البيوعات الشرعية، والمداينات الشرعية، وبينوا الأشياء الأخرى المحرمة؛ حتى يأخذ المسلمون بما أباح الله، ويدعو ما حرم الله، فالبيوع أنواع كثيرة، فعليهم أن يأخذوا بالأنواع المباحة من البيع إلى أجل من بيع المعجل السلم إلى غير ذلك ولو بالفائدة القليلة، فإن فائدة قليلة مع قليلة قطرة مع قطرة ترجع أنهارًا وبحارًا، فإذا جمعوا الأموال الكثيرة وجلبوها من هنا ومن هنا وباعوا على الناس بالفائدة القليلة التي تنفعهم ولا تضر إخوانهم المحاويج الفقراء تجمعت لديهم أكساب مباحة، وتجمعت عليهم أرباح مباحة، وانتفعوا بذلك وانتفع إخوانهم، وسلموا من الربا الذي حرمه الله عليهم، وليس بالجشع والفائدة الكبيرة في المائة عشرين في الألف مائتان لا، يكفيه القليل واحد في المائة إذا تجمع مع كذا ومع كذا صار هذا الواحد ألوف كثيرة عند سعة التجارة وسعة المعاملات، ولكن من طبيعة العبد الجشع من طبيعة الإنسان الحرص على الزيادة والكثرة وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، فيجب على المؤمن أن يتقي الله وأن يراقب الله وأن يحذر ما حرم الله، وإن كان فيه مال كثير وأن يأخذ بما أحل الله، وإن كان الربح فيه قليلًا فدرهم مباح خير لك من مئات الآلاف بالطرق المحرمة، وهذه الأموال المحرمة مآلها إلى قل، مآلها إلى بلاء، مآلها إلى محق من الله عز وجل، ومن أعظم المحق في بركاتها أن تكون زادًا لك إلى النار تجمعها إلى النار، قد لا تؤدي زكاتها قد لا تؤدي حقها مع كونها جاءت من أكساب محرمة فتكون زادًا للنار -نعوذ بالله- حتى ولو أدى زكاتها؛ لأنه جمعها من مال حرام من الربا أو من الغش والخيانة والحيل والمكر، فتكون -والعياذ بالله- من أسباب دخوله النار، ومن أسباب غضب الله عليه، وتبًا لأموال وتبًا لملايين أو بلايين عاقبتها النار عاقبتها غضب الله وعقابه، وماذا قيمتها؟ فالواجب على المؤمن أن يتقي الله فمليون أو مائة ألف أو ألف أو مائة من الطريق الحلال خير له من الملايين والبلايين وما فوق ذلك بالطرق الخبيثة المحرمة الربوية أو التي فيها الخيانة وفيها الغش وفيها الظلم والعدوان وفيها أكل أموال الناس بالباطل.
وقد درس مجلس هيئة كبار العلماء يوم الجمعة وتبادلوا فيه الرأي ....... وبين له أن لا يجوز له البقاء على هذه البنوك الربوية، وأن الواجب إيجاد بنوك إسلامية تقي الناس شر الربا، ويضعون فيها أموالهم، ويستغنون بها عما حرم الله، فاستجاب وفقه الله ووعد بإيجاد مؤسسة عظيمة واسعة تكون فرجًا للناس من هذا الربا، وتوجد فيها أموال المسلمين، وتستعمل فيها وتستغل فيها أموال المسلمين بالطرق الشرعية بالطرق المباحة، وسوف ينتهي أمرها قريبًا إن شاء الله، وذلك في مصرف الراجحي المعروف، فإن مصرف الراجحي قد تأسس أن يكون بنكًا إسلاميًا وأن توضع فيه الأموال الإسلامية من المساهمين، وأن يستعمل ما شرع الله من المعاملات الإسلامية وأن يتباعد عما حرم الله، وسوف -إن شاء الله- يفتح في مدة قليلة قريبة، ويستغنى به -إن شاء الله- عما حرم الله من هذه المعاملات الربوية، وسوف يقضى على هذه المعاملات الخبيثة في هذه البلاد، ونرجو أن يقضى عليها أيضًا في جميع البلاد الإسلامية، وأن يرجع الناس إلى الحق والصواب، فإن في دين الإسلام كل خير لهم، وفيه كل سعادة، وفيه كل عاقبة حميدة في الدنيا والآخرة، والأمر قريب في هذا إن شاء الله، وليس بالبعيد، وهو إن شاء الله من شهرين أو ثلاثة ينتهي الأمر قريبًا إن شاء الله، ويحصل للمسلمين فرج من هذا البلاء، وسوف يقضى -إن شاء الله- على هذا الربا الذي في البنوك حتى يستريح الناس من شرها وبلائها في هذه البلاد، وسوف يتبع هذه البلاد -إن شاء الله- غيرها، فإن هذه البلاد هي الرائدة وهي الأم للمسلمين، وفيها الحرمان الشريفان، والناس ينظرون إليها ويتبعونها ويريدون أن تتقدم في كل خير وهم تبع لها إن شاء الله، المسلمون في كل مكان ينظرون إلى هذه البلاد وأهلها نظر الأسوة ونظر القدوة ونظر الإمام ونظر الرائد للمسلمين، فنسأل الله أن يوفق حكومتها لكل خير، وأن يوفق علماءها لكل خير.