أما ما يتعلق من الأموال التي كتبت من طرق حرام كالفوائد الربوية التي قد يبتلى بها بعض الناس، وقد يأخذها بعض الناس، وغير ذلك من الطرق الأخرى كمهر البغي: وهي الأموال التي تبذل للزانيات، وحلوان الكاهن: وهي الأموال التي تبذل لمن يخبر بعلم الغيب من الكهنة والعرافين والمنجمين، هذه أموال جاءت بغير طريق شرعي فهي تحرم على من كسبها بغير الطريق الشرعي، ولكنها لا تحرم على الجهات الأخرى التي لم تكتسبها ولم تتعرض لها، فقاعدة الشرع أن من كسب شيئًا بالطريق الحرام يحرم عليه ولكن يجوز بذله للجهات الأخرى الإسلامية التي تحتاج إلى هذا المال، ولا يكون محرما عليها؛ لأنها لم تكتسبه بطريق حرام، وإنما جاءها بحكم الأموال الضائعة بحكم الأموال التي ليس لها رب ليس لها أهل، فالأموال التي تكسب بالمال الحرام لا تحل لأهلها، فما غصبه الإنسان بغير حق وخانه بغير حق لا يحل له، لكن متى جهل ربه حتى يرده عليه تصرف في جهة البر، يصرف في الفقراء والمساكين، في المشاريع الخيرية، في إيجاد دورات المياه، في سفلتة الطرق، في قضاء الديون عن المدينين، في الفقراء والمحاويج، في أشباه ذلك، في بناء الجسور والكباري، في القناطر على النهار والأبحار إلى غير ذلك، فالأموال التي لا رب لها وهي التي كسبت من طريق حرام هذه لا رب لها حكمها حكم الأموال الضائعة، فالرهون التي جهل أهلها والودائع التي جهل أهلها ...... التي جهل حرام على من غصبها، وحرام على من تولاها بغير حق، ولكنها مباحة لمن لم يكتسبها بطريق حرام، بل تصرف فيه ويكون الفقير والجهات من المشاريع الخيرية مصارف للأموال التي لا رب لها ولا أهل لها، ولكنها تحرم على من كسبها بطريق حرام، تحرم على الغاصب أن يأكل ما غصب، يحرم على المرابي، ولكن هذا المال الذي أخذه بالربا لا يعيده إلى صاحبه؛ لأنه إذا أعاده إليه أعانه على المال الخبيث أعانه على الحرام وأعانه على الشر، فهذا المال الذي أخذه من غير طريق شرعي يبقى لمصالح المسلمين، ولا يأخذه هو لأنه أخذه من غير طريق شرعي، والنبي عليه الصلاة والسلام لما فتح الطائف وأخذ أموال اللات كان المشركون يهدون لأصنامهم كانت اللات عندها أموال كثيرة قد أهداها المشركون إليها فأخذها النبي ﷺ وصرفها في جهة الخير عليه الصلاة والسلام؛ لأنها أموال لا رب لها، ضائعة لا ترد على المشركين؛ لأنهم قد تابوا وهداهم الله وهذه الأموال قد بذلوها لغير الله فتصرف في جهات تنفعهم وتنفع المسلمين، ولا ترد إليهم، قد أخرجوها من أموالهم وتبرعوا بها للات والشرك فتصرف في جهة خير.
وجاء عنه أنه ﷺ قضى منها دين عروة بن مسعود الثقفي كانت عليه ديون فقضى دينه من هذه الأموال التي كانت للات، فهذا وأشباهه من جنس ما يأخذه الإنسان من ربح ربوي جاهل ما عرف الحق أو حمله الطمع فأخذه نقول: هذا الذي أخذته لا تأكله أنت ولكن يصرف في جهات الخير، في بعض الفقراء والمحاويج، أو في إصلاح طريق، أو في دورات مياه، أو قضاء دين مدين محتاج مسكين، أو ما أشبه ذلك.
ومثل اللقطة اللقطة إذا وجدها لا يأخذها لا تحل له لكن إذا عرفها سنة صارت بكسب شرعي، فإذا عرفها سنة ولم تعرف حلت له ولكن قبل ذلك لا تحل له فإذا لم يعرفها لم تحل له ووجب صرفها في جهة بر وجهة خير؛ لأن ربها غير موجود، والذي وجدها ما فعل الأمر الشرعي ولا عرفها فتصرف في جهة بر تنفع المسلمين.
وهكذا المكوس التي يأخذها الوالي وهي الجمارك فإذا لم يعرف أربابها وهي لا تجوز المكوس لا تجوز لكن إذا أخذها ولم يعرف أربابها صرفها في جهة البر وجهات الخير والمصالح العامة، وهكذا أشباه ذلك من الرهون التي لا يعرف أربابها والودائع التي جهل أربابها والتركات التي ليس لها وارث تصرف في مصالح المسلمين في جهات البر في المنافع؛ لأنها أموال لا رب لها، فلا تضاع ولا تلقى في البحر ولا تحرق ولكن تصرف في مصالح المسلمين وجهات الخير، هذا هو الجواب عما وقع من الإشكال الذي أشار إليه صاحب الفضيلة الشيخ صالح.