الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن محاسن الأخلاق من محاسن الأعمال فقد جاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام بالدعوة إليها والترغيب فيها، والتحذير من خلافها، وعلى رأس الرسل إمامهم وخاتمهم وأفضل نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، فقد بعثه الله بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، يدعو إليها ويحبذها، ويبين عظم ثواب أهلها، ويتخلق بها أينما كان عليه الصلاة والسلام، وقد مدحه الله وأثنى عليه بخلقه العظيم، قال جل وعلا في كتابه المبين: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم:1-4] فبين في هذه الآيات أنه على خلق عظيم، وأقسم على ذلك، فهو سبحانه الصادق وإن لم يقسم جل وعلا، لكن لبيان عظم الأمر ولبيان منزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع وأنه على خلق عظيم كما أن الله جل وعلا جبله على خير الأخلاق وأتمها وأحسنها قبل أن يوحى إليه، ثم جاءه الوحي فكمل ما لديه من الأخلاق، وأوحى الله إليه بأخلاق أخرى شرعها لعباده وأمرهم بها سبحانه وتعالى، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام في صلاته في الليل وفي غيرها في المكتوبة وفي غيرها الاستفتاح كان يدعو في استفتاحه ويقول: اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت خرجه مسلم في الصحيح، فهذا دعاؤه عليه الصلاة والسلام: اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، وكان أول هذا الاستفتاح يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك، يكون هذا أول ما يستفتح به بعض الأحيان في المكتوبة، وبعض الأحيان في تهجده في الليل، ثم بعد هذا يتعوذ بالله من الشيطان، ثم يسمي، ثم يقرأ عليه الصلاة والسلام، وقد جاءت عنه استفتاحات كثيرة منها هذا الاستفتاح الطويل ومنها: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، هذا أخصرها وهو استفتاح عظيم مبارك كله ثناء على الله، وفيه بعض الزيادة بعد قوله ولا إله غيرك لا إله إلا الله ثلاثًا الله أكبر كبيرًا ثلاثًا. ثم يتعوذ، ثم يسلم.
وجاء عنه أيضًا أنه كان يستفتح بقوله: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .......
من الأخلاق العظيمة يسأل ربه دائمًا ويضرع إليه أن يهبه خير الأخلاق وأحسن الأخلاق ويدعوه في ليله ونهاره أن يرشده إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأن يعينه على ذلك عليه الصلاة والسلام.