كثرة الانشغال بأمور الدنيا عن التفقه في الدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحب الفضيلة: الشيخ محمد بن ....... والشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم فيما يتعلق في وجوب التفقه في الدين، وبيان وسائل ذلك، ولقد أجادا وأفادا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه، فجزاهما الله خيرًا، وزادنا وإياكم وإياهما من العلم والهدى والتوفيق، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، ورزقنا العمل بما يرضيه، والعافية من مضلات الفتن.

أيها الإخوة في الله: إن ما نبه عليه الشيخان أمر مهم، ولقد شغل الناس إلا من شاء الله عن التفقه في الدين في أمور الدنيا الفانية الزائلة، وقل العناية بالفقه في الدين حتى من كان في المدارس، وصار كثير من الناس إنما يهمهم أن يتعلم ويتوظف ويأخذ راتبًا يقضي به حاجات الدنيا، وهذه من المصائب العظيمة، ولهذا قل العلماء وكثر الجهل، ولا شك أن قلة العلماء من أعظم الأخطار، والله عز وجل إنما خلق الثقلين ليعبد وحده لا شريك له، لم يخلقهم عبثًا ولا سدى، ولم يخلقهم ليتعلموا أمور الدنيا، ولا ليشقوا أنهارا ويغرسوا الأشجار ويعمروا الديار بالمسلح وغيره، وإنما خلقوا ليعبدوا الله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، والله أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان هذا الأمر العظيم، لبيان هذه العبادة وهذا الحق الذي خلقوا له، وأنزل الكتب لهذا الأمر أيضًا، والرسل والكتب المنزلة من السماء كلها لأجل بيان حق الله على عباده وتفصيله وإيضاحه حتى يعرفه العباد، وحتى يعملوا به ويستحقون من الله الكرامة وحسن العاقبة والعزة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

أما الأمور الأخرى فقد أمروا بها ليستعينوا بها على طاعة الله، فالمساكن والملابس والمزارع وغير ذلك يستعان بها على طاعة الله وعبادته، وهذا لا شك أنه الغاية هي المطلب الأول والوسيلة مطلب ثاني، فلا يجوز أن تعطل الغايات ويشتغل بالوسائل، وكل مؤمن يتعلم ما يحتاج إليه وما ينفع به الأمة من هندسة وطب وسائر أنواع الصناعات والمكاسب النافعة والزراعة وغير ذلك هذا أمر مطلوب، وهو كما قال الشيخان مع النية الصالحة يؤجر عليه، إذا تعلم الطب والزراعة  والهندسة وغير ذلك واستخراج المياه من الأرض والمعادن وغيرها إذا تعلم ذلك لينفع به المسلمين وليستغنى بذلك عن الكافرين فهذا عمل طيب وعمل صالح يؤجر عليه، ولو تعلمه بلا نية فهو مباح من جملة المباحات، لكن تعلم ما أوجب الله عليه أمر مفترض، يتعلم كيف يعبد ربه، ماذا أحل الله ماذا حرم عليه، ماذا أوجب عليه، حتى يعبد ربه، وأهم شيء يتعلم العقيدة، يتعلم دينه، يعني: أصل دينه، ما هو معنى لا إله إلا الله، ما هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، يعلم أنه لا إله إلا الله، يعني: لا معبود حق إلا الله، ليس هناك آلهة تعبد بالحق إلا الله وحده سبحانه وتعالى، وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو كواكب أو أنبياء أو أولياء كله باطل، فالعبادة الحق هي لله وحده كما قال : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، فهذا أمر عظيم هو أصل دين الإسلام، أن تعلم أن الله جل وعلا هو المعبود الحق، وأن هذا معنى لا إله إلا الله، الآلهة كثيرة تعبد من أصنام وأشجار وقبور وأموات وغير ذلك يعبدها الجهال ويدعونها وينذرون لها ويستغيثون بها إلى غير ذلك، لكن هذا هو الجهل....... فتعلم هذا الأمر أن يكون على بال العبد هذا خير من الدنيا وما عليها، وهذا هو أوجب الأمور.

ثم ما هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، وما الفائدة من هذه الشهادة، تشهد أنه رسول الله إليك وإلى الناس، يبلغك أمر الله ونهيه، فقد أرسله الله إلى الناس عامة الجن والإنس والعرب والعجم والرجال والنساء والأغنياء والفقراء والحكام والمحكومين إلى جميع الثقلين، يدعوهم إلى توحيد الله، وإلى طاعة الله، وينهاهم عن الشرك بالله، وعن معاصي الله، هذا هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، فعليك أن تصدقه في ذلك، وأن تؤمن به في ذلك، وأن تعمل بما جاء به، فالرسول مرسل من الله إليك، فلا بد من طاعة هذا الرسول مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، لا بد من طاعته عليه الصلاة والسلام قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فليس لك أن تجهل هذا الأمر، وأن تشغل بالزراعة أو بالصناعة أو بالمآكل والمشارب والمساكن والمراكب عن هذا الأمر العظيم، عليك أن تستعين بالتجارة وبالزراعة وبالصنعة وبكل ما أعطاك الله على اتباع هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، وطاعة أمره ونهيه، والامتثال بشريعته، وإفراد الله بالعبادة، وأن تحمد الله الذي أعطاك هذا المال وهذه الصنعة حتى تستعين بها على ما خلقه الله لأجلك من طاعته وعبادته سبحانه وتعالى، فإذا كنت تشهد أن محمدًا رسول الله ولكنك معرض عن دينه وعن طاعته وعما جاء به ما هي الفائدة في هذه الشهادة، إذا كنت لا تعمل المقصود من الشهادتين أن تعمل أن تعبد الله وحده باتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأن تعمل بالأحكام التي جاء بها هذا الرسول ﷺ، وجاء بها القرآن من أداء الواجبات من صلاة وغيرها، وترك المحارم من زنا وسرقة وخيانة وعقوق وقطيعة رحم وظلم للناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وغير ذلك مما حرم الله، وأن تبلغ أيضًا أمر الله ونهيه حسب طاقتك، تدعو إلى الله وتبلغ أمر الله، وتصبر على ذلك، وأن تكون عضوًا عاملًا تعين إخوانك في الله وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].