الغلو في الدين والزيادة في الدين أشد وأخطر من النقص، ولهذا جعل العلماء البدعة فوق المعصية ودون الشرك، فهي في رتبة بينهما، وهي أعظم عقبة وأعظم شر بعد الشرك، ولهذا جاء في البدع من الأحاديث والآثار ما لم يأت في جنس المعاصي، تنبيهًا على خطورتها وتحذيرًا من عواقبها، وكان النبي ﷺ يقول في خطبته في الجمعة لعظم الخطر يقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة خرجه مسلم في الصحيح، زاد النسائي بإسناد جيد: كل ضلالة في النار، كل هذا من باب التحذير من البدع، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، يعني مردود في أمرنا في ديننا وفي اللفظ الآخر: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد يعني فهو مردود خرجه مسلم في الصحيح وعلقه البخاري جازمًا به في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة فخطرها عظيم.
ولقد أحسن الشيخان فيما بينا في شأن البدع والتحذير منها وبيان كثير من أنواعها ليعلم المستمع الكريم خطورتها، ويحذرها، ولا يغتر بمن يزينها للناس، فإن دعاة البدع ودعاة المعاصي كثيرون، بل ودعاة الكفر كثيرون من شياطين الإنس والجن، فيجب الحذر، وألا تقبل إلا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام في أقوالك وأعمالك وسيرتك يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] الآية، ويقول سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] هذا جزاء من اتبع السلف الصالح بإحسان من أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم، من سار على نهجهم واقتفى أثرهم في قوله وعمله فقد وفق وهدي، وقد وعده الله بالرضا والكرامة، ودخول الجنة والسلامة من النار، ويقول : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، ويقول : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، فجعل الهداية في اتباعه وفي طاعته عليه الصلاة والسلام كما جعل الرحمة كذلك، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56].
فالمقصود أن الهدى والسداد والصلاح والإصلاح والنجاة من النار والفوز بالكرامة كل ذلك في اتباع رسول الله ﷺ، والسير على منهاجه، وما درج عليه أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم وأتباعهم بإحسان، أما البدع فهي طريق النار هي طريق الهلاك قال : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] فالسبل: هي البدع، وهي الشبهات والمعاصي والشرور المخالفة لشرع الله، وصراط الله وسبيل الله هو توحيده والإيمان به وما شرعه لنا من أقوال وأعمال، هذا هو سبيل الله، وهذا هو صراط الله الذي قال فيه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، وقال فيه : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153].
فجزى الله الشيخين عن توجيهيهما وعن بيانهما وعن إيضاحهما جزاء حسنًا.