فإن الناس إذا تكاتفوا في الخير وتعاونوا على البر والتقوى فازوا بالأجر العظيم، وفازوا بالنجاة في الدنيا والآخرة، وإذا تخاذلوا عمتهم العقوبات ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثبت عنه ﷺ أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب....... ثم تدعونه فلا يستجيب لكم، وفي اللفظ الآخر يقول الله جل وعلا: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم، وقبل أن يستغفروني فلا أغفر لكم، والواقع شاهد بهذا، فإن الدعوات الكثيرة تبذل ولا تستجاب لما ظهر بيننا من المنكرات الكثيرة، والتقصير الكثير في أمر الله عز وجل، وأنتم تشاهدون ما وقع من جدب وقحط في أماكن كثيرة وفي بلدان كثيرة، وما ذاك إلا بأسباب الذنوب والمعاصي والتقصير في أمر الله كما يقول سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
فما نزل في أفريقيا وفي غير أفريقيا وعندنا أماكن كثيرة من بلادنا كله بأسباب ذنوبا وتقصيرنا في أمر الله ، والله يبتلي عباده بالسراء والضراء، والشدة والرخاء؛ لعلهم ينتبهون؛ لعلهم يرجعون إليه؛ لعلهم يتوبون إليه، هذا من رحمته سبحانه وتعالى، فإنه لو بسط رزقه لعباده لبغوا في الأرض، ولكنه جل وعلا لطيف رحيم، يؤدب عباده بالقحط تارة، وبالأمراض تارة، وبأشياء أخرى تارات، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
فالصبر لا يمنع من التوبة والرجوع إلى الله والمسارعة إلى العلاج، كما أن المريض يصبر ولكن يعالج ويتعاطى الدواء، والواجب على أهل الإيمان أن يداووا أمراضهم بالتوبة إلى الله ، والرجوع إليه، وإقامة أمره، والمسارعة إلى مراضيه، والبعد عن مناهيه في كل مكان أينما كانوا، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، يعني ليرجعوا عن الباطل إلى الحق والهدى، ويقول سبحانه: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21]، يعني ليرجعوا، العذاب الأدنى أنواع، فالجدب نوع من العذاب، والرياح العاصفة المهلكة نوع من العذاب، والبرد الشديد الذي يضر الزروع ويفسدها نوع من العذاب، وتسليط العدو نوع من العذاب، وغور المياه نوع من العذاب، إلى غير هذا.
فالعقوبات متنوعة لكن أهل الإيمان ينتبهون ويرجعون بالتوبة النصوح والاستقامة والتعاون على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأغلب الخلق لا ينتبه، أغلب الخلق كالبهائم لا تنتبه، لا يدرون لماذا جرى هذا، ولماذا جرى هذا، كالبعير إذا عقله أهله ثم أطلقوه وهو لا يدري لماذا عقل، ولماذا أطلق، هذه حال أكثر الخلق، كما قال : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] هذه حال الأكثر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، فهل يقبل العاقل أن يشبه بهؤلاء، لا يليق بالمؤمن ولا بأهل الخير أن يتشبهوا بهؤلاء، الواجب الحذر وألا يغفلوا عن الله وعن حقه، وأن يبادروا إلى ما أوجب عليهم، وإلى التكاتف ضد الباطل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ييأسوا، لا ينبغي اليأس، لا يجوز اليأس، بعض الناس يقول: ما في في الناس حيلة، الناس أدبروا، الناس أعرضوا، الناس فعلوا، ما ينبغي هذا، من قال: هلك الناس فهو أهلكهم، يعني أشدهم هلكًا، نسأل الله العافية، ولكن ينبغي المسارعة إلى الخير، والمشاركة في الخير، وبذل النفوس في صالح المسلمين، وعدم اليأس، والله يقول سبحانه: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
فعلينا معشر المسلمين جميعًا في كل مكان وفي كل زمان ألا نيأس وألا نقنط وأن نستمر أبدًا في طاعة الله ورسوله، في الأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر، في الدعوة إلى الخير، وأن نتابع مع الدعاة إلى الخير، وأن نسالم الآمرين والناهين، وأن نتباعد عن صفات المعرضين الغافلين.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.