مجالسة الأخيار والحذر من مخالطة الأشرار

ثم أيضًا من أعظم الأسباب لعلاج الأمراض الناشئة عن الشهوات والناشئة عن الشبهات عدم مخالطة أهل الشر، فمن أسباب سلامته من مرض الشهوات أن يبتعد عن أرباب الفواحش وأصحاب الفواحش من الزنا واللواط والخمور وغيرها، فلا يكون جليسًا لهم، ولا صاحبًا لهم، فإنه إذا جالسهم جروه إلى بلائهم، فإن مجالسة أصحاب الشر كمجالسة نافخ الكير، بل أشد من ذلك، إما يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثًا، فإذا جالسهم وصار صاحبًا له فإنه يكون سلس القياد حينئذ ليجروه وليقودوه إلى ما هم عليه من الباطل، فيقع في حبائلهم وشرورهم، كذلك من أسباب السلامة أن يجالس الأخيار أصحاب العلم والعمل، أصحاب البصيرة البعيدين عن هذه المحرمات حتى يكون من ضمنهم، وحتى يتخلق بأخلاقهم، وحتى يسير في ركابهم وطريقهم، فيسلم من هذه الفواحش والمنكرات، كذلك مجالسة أهل العلم والإيمان والبصيرة والغيرة من أعظم الأسباب أيضًا في البعد عن المحارم، ومن أعظم الأسباب في البعد عن الشبهات وحلها وزوالها وبعدها عنه؛ لأنه بمجالسة الأخيار من أهل العلم تحصل المذاكرة، وتحصل البصيرة، وتحصل المناقشة للكثير من الشبهات أو في كل الشبهات حتى تزول بالعلم النافع والبصيرة النافذة، وحتى تزول بمجالسة من هداهم الله ووفقهم وبصرهم حتى كانوا على بينة من هذه الشبهات لبيانها وإزالتها وكشفها، فلا يبقى مع جليسهم ومع من أخذ عنهم لا يبقى معهم بعد ذلك ريب ولا شك؛ لأنه قد سمع منهم وقد أخذ من كتاب الله وأخذ من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أعانه على كشف تلك الشبهات، وعلى السلامة منها، وعلى معرفة بطلانها، وأنه لا وجه لوجودها لديه ولا لوقوفها في طريقه، ولكن المصيبة العظمى والداء العضال أن يجالس الأشرار، وأن يتباعد عن الأخيار، وألا يتعلم ويتفقه في دين الله، بل هو راض بحاله السيئة، راض بغفلته، راض بإعراضه، راض بجهله، راض بمجالسة الأشرار الذين جهلوا أمر الله، وجهلوا حقه ولم يعظموه سبحانه، بل رتعوا في الشهوات والمحارم واستلذوها، وصارت طريقة لهم وسجية، فإذا نصحهم الناصح لم يبالوا بنصيحته ولم يلتفتوا إليه، فإذا جالس هؤلاء وسار مع هؤلاء زاد مرضًا إلى مرض، وزاد جهلًا إلى جهل وتراكمت عليه الشهوات المحرمة والشكوك الخبيثة حتى ربما أفضى به ذلك إلى إنكار الدين وإلى الشك من صحة الدين، وإلى خروجه من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفار والمنافقين، نعوذ بالله من ذلك، هذه أمراض خطيرة، وبلاء عظيم يجب على كل مسلم أن يحذر ذلك، وأن يكون أعظم شغله الشاغل وأهم أمره أن يعالج هذه الأمور، وأن يسلم من أمراضه المتعلقة بالشهوات وأمراضه المتعلقة بالشبهات، وأن يسعى دائمًا ويحرص دائمًا على تخلصه من ذلك بالأخذ بأسباب النجاة والبعد من أسباب الهلاك.

رزق الله الجميع البصيرة والهدى.