السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني أشكر الله على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله، وأبناء أعزاء، نسأل الله أن يجعله لقاء مباركًا، وأن يوفقنا جميعًا للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم، ثم أشكر القائمين على جامعة الإمام محمد بن سعود رحمة الله عليه، وعلى رأسهم الأخ الكريم معالي مدير الجامعة الدكتور عبدالله التركي على هذه الدعوة من كلام في الفتوى وما يتعلق بأحكامها وآدابها وشرائطها، وأسأل الله أن يوفق القائمين جميعًا على هذه الجامعة لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم على كل خير، وأن يبارك في جهودهم، ويجعلهم جميعًا من دعاة الهدى وأنصار الحق إنه خير مسؤول.
أيها الإخوة في الله من المعلوم عند أهل العلم أن الفتوى أمرها عظيم، وخطرها كبير، ونفعها للأمة إذا صدرت من أهلها عظيم جدًا، وقد كان السلف رحمة الله عليهم يتدارؤونها بينهم، ويخافون خطرها، وكان كل واحد منهم يحب أن أخاه يكفيه مؤونتها، وما ذاك إلا لكمال علمهم بالله، وعظيم خوفهم منه ، وخشيتهم غضبه وعقابه ، فلذلك كانوا يخافون عاقبتها، ويحذرون خطرها، وكان يتدافعونها بينهم، كل واحد يود أن أخاه يكفيه ويقوم بما يلزم، وقد روى الإمام العلامة أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي رحمه الله في كتابه السنن عن عبدالرحمن بن أبي ليلى التابعي الجليل قال: أدركت عشرين ومئة من أصحاب النبي ﷺ ما منهم من أحد إلا يود أن أخاه كفاه الحديث، ويود أن أخاه كفاه الفتوى، وهذا كله يدل على تواضعهم وخشيتهم لله ، وعلمهم بخطر الفتوى، وأن أمرها عظيم، وأن الواجب على من يفتي الناس أن يتحرى الحق، وأن يحذر الخطر في ذلك، وهذا الأمر مشهور عن الصحابة وعن التابعين وعن أتباعهم بإحسان، وهكذا في كل عصر بين أهل العلم والبصيرة والخوف من الله عز وجل كلهم يتدارؤونها ويخشون عاقبتها، وروى الدارمي أيضًا بإسناد جيد عن عبيدالله بن أبي جعفر ....... التابعي عن النبي ﷺ أنه قال: أجرؤكم على الفتوى أجرأكم على النار، وهو مرسل جيد، وكان أهل العلم يذكرون هذا المرسل كثيرًا للتحذير من خطر الفتوى، فينبغي للمؤمن أن يتريث في الفتوى ولا يعجل حتى يعلم وجه الفتوى؛ لئلا يقع في خطر عظيم بقوله على الله بغير علم، أو على رسوله بغير علم عليه الصلاة والسلام.
وقد حرم الله القول عليه بغير علم وجعله في مرتبة فوق مرتبة الشرك، فقال : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وهذا يدل على عظم الخطر في القول عليه بغير علم، فالمشرك قال على الله بغير علم، وزعم أنه أباح له ما فعل، وأنه دين، فوقع في خطر عظيم، وبلاء كبير، ومنكر شنيع، وهكذا من حكم بغير ما أنزل الله أو أفتى بغير ما أنزل الله قد قال على الله بغير علم، فإن تعمد ذلك فالإثم عظيم والخطر كبير، وإن كان لم يتعمد ذلك بل وقع عن اجتهاد وعن عناية ولكنه أخطأ في ذلك فالأمر سهل، ولكن ذلك يترتب عليه ضرر على المحكوم عليه والمفتى، أما الحاكم بعد الاجتهاد والمفتي بعد الاجتهاد فهو بين أجر وأجرين كما هو معلوم من النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، وهكذا المفتي صار بهذه المثابة بعد الاجتهاد والعناية إذا كان من أهل ذلك، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:168-169]، فأبان أن الشيطان يأمرنا بالقول عليه بغير علم، فعلم بهذا أن القول على الله بغير علم من الكبائر العظيمة، والمحرمات الشنيعة، وأنه أيضًا من طاعة الشيطان، ومن امتثال أوامر الشيطان، فجدير بالمفتي أن يحذر القول على الله بغير علم، وأن يجتهد قبل أن يوصل الفتوى في معرفة اعتماده في فتواه، هل هو آية من كتاب الله؟ حديث عن رسول الله ﷺ؟ قول صاحب؟ أو غير ذلك مما يبني عليه فتواه.