وقد سمعتم ما قاله النبي ﷺ لابن عباس رضي الله تعالى عنه حيث قال له: يا غلام احفظ الله يحفظك، ربنا ليس في حاجة إلينا هو غني عنا ، ولكن معنى احفظ الله معناها أن تحفظ دينه وأن تستقيم على أمره وشريعته، فمن حفظ دين الله فقد حفظ الله، احفظ الله يحفظك، يعني احفظ دين الله وشريعته وما أمرك به؛ يحفظك سبحانه في الدنيا والآخرة.
احفظ الله تجده تجاهك، وفي اللفظ الآخر: أمامك، فمن حفظ الله وجد الله تجاهه وأمامه يعينه على كل خير، ويسدد ويشرح صدره، فهو على كل شيء قدير، وهو سبحانه مع عباده بالعلم والاطلاع والتسديد والتوفيق لمن استعان به واتقاه، وهو فوق السماء، فوق العرش ، هو فوق العرش فوق جميع الخلق ، ولكنه معنا بعلمه واطلاعه ورؤيته لنا وعلمه بما في قلوبنا وتأييده لعباده المتقين وإعانتهم وتوفيقهم، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، فهو سبحانه معنا بعلمه واطلاعه كما أئمة السلف وهو فوق العرش فوق جميع الخلق جل وعلا، فعلمه بكل مكان سبحانه وتعالى، ولما بعث موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، يسمع كلام فرعون وكلام غير فرعون، ويرى ما يفعل هؤلاء، وما يفعل هؤلاء، لا تخفى عليه خافية، وقال عن نبيه محمد ﷺ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] علم نبيه أن يقول هذا لصاحبه في الغار، وقال سبحانه: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]، فهو مع أوليائه بتوفيقه لهم وهدايته لهم وحفظه لهم وكلاءته لهم، وهو فوق العرش لا يخفى عليه خافية جل وعلا، وهو مع عباده بعلمه واطلاعه ورؤيته لأحوالهم وتنفيذ أوامره فيهم ، فعليك الأخذ بالأسباب، وعليك الجد في طلب الآخرة، واعلم أن الله مؤيد أولياءه ومعينهم ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
