خطأ التشديد على من أسلم في مسألة الختان

وسمعتم ما نبه عليه فضيلة الشيخ إبراهيم من جهة من يدخل في الإسلام، وأنه ينبغي في مثل هذا عدم التشديد عليه فيما يتعلق بالختان حتى لا ينفر عن الإسلام، فإن كان الختان سنة، فالسنة أمرها واسع، وإن كان واجبًا كما هو قول جمع من أهل العلم فهو واجب ليس مثل الواجبات الأخرى يمكن تأجيله ويمكن تأخيره إلى وقت ما، وقد أسلم جم غفير على يد النبي ﷺ في مكة المكرمة لما فتحت مكة ولم يحفظ عنه حرف واحد أنه أمر هؤلاء الذين أسلموا أن يختتنوا حالًا، بل يروى عنه أنه قال لبعض المسلمين: ألق عنك شعر الكفر واختتن، ولكنه قرروا فيه ضعفه، ولما أسلم ثمامة بن أثال بين يدي النبي ﷺ في المدينة لم يحفظ عنه أنه قال له اختتن؛ لأن هذا شيء معروف بعدما يسلم وبعدما يتعلم الإسلام يعرف هذا الحكم ويعرف هذه السنة أو هذا الواجب بعد ذلك، فالمقصود أن الرسول ﷺ وهو سيد الدعاة إلى الله وهم إمامهم دعا إلى الإسلام ورغب الناس في الإسلام وأسلم على يديه جم غفير ولم يحفظ أنه أوجب عليهم الختان تلك الساعة، أو أمر بالختان تلك الساعة حتى لا ينفروا من الإسلام؛ لأنه قد يشق عليهم أخذ القلفة ذلك الوقت، وقد يترتب على ذلك شيء من التعب، فالمقصود أنه ينبغي تأجيل ذلك وعدم البدار بذلك حتى لا ينفر أحد من هذا الدين العظيم.

وهكذا الغسل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب الغسل على من أسلم، والصواب أنه مستحب ومشروع؛ لأن الرسول أمر به قيس بن عاصم لما أسلم، وثبت عنه ﷺ إسلام الجم الغفير على يديه ولم يأمرهم بذلك، فدل ذلك على أنه مستحب ومشروع لمن أسلم حين يسلم، ولكن ليس بواجب، بل متى اغتسل فهو أفضل وأولى كما أمر به النبي ﷺ قيس بن عاصم، وإن ترك ذلك فلا حرج عليه، ولكن سوف يتطهر وسوف يغتسل بعد ذلك؛ لأن الغسل تدعو إليه الفطرة من جهة النظافة، ويدعو إليه أيضًا إتيانه إلى أهله، فإن غسل الجنابة واجب، فالغسل سوف يتيسر بعد ذلك، والمقصود من هذا أنه ينبغي فيه التشجيع على الدخول في الإسلام والترغيب فيه، وإظهار محاسن الإسلام وسماحة الإسلام، حتى لا ينفر من أراد الدخول فيه، وحتى لا نكون عونًا لأعداء الله على المنع من الدخول في الإسلام؛ لأن الكفرة يؤلمهم أن يروا من يدخل في الإسلام، ويشق عليهم، سواء كانوا يهودًا أو نصارى أو غيرهم يشق عليهم أن يسمعوا الدخول في الإسلام والرغبة في الإسلام، فينبغي تسهيل الدخول في الإسلام والتشجيع عليه والترغيب فيه، وبيان ما في الإسلام من الخير العظيم، وأنه الدين الحق، وأن ليس هناك دين سواه لا في الدنيا دين آخر ما هنا إلا دين الإسلام فقط، من مات عليه فله الجنة، ومن مات على خلافه فله النار، نسأل الله العافية إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ  [آل عمران:19] قال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

فهذا الدين العظيم الذي فيه النجاة ينبغي التشجيع على الدخول فيه، ورحمة الناس ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الإسلام حتى تنجيهم من النار حتى تنقذهم من العاقبة الوخيمة، نسأل الله العافية، فجميع الأديان باطلة يهودية ونصرانية وبوذية ووثنية ومجوسية كلها باطلة، كلها أديان إلى النار، نعوذ بالله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار، نسأل الله السلامة والعافية، ويقول جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17]، فمن كفر بهذا الدين أو بكتاب الله صار في النار موعده يوم القيامة، نسأل الله العافية.

فلا دين تحصل به النجاة إلا دين الإسلام الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتاب، وبعث به محمدًا عليه الصلاة والسلام الذي هو آخر الأنبياء وخاتمهم عليه الصلاة والسلام.

ثم ينبغي أيضًا الحفاظ على جميع السنن، فما علمت من السنن بادر إليه وسارع إليه؛ لأن العناية بالسنن في الحقيقة عناية بالواجبات وحرص على الواجبات ....... فذلك مما يعين ويقويه على أداء الواجبات، والحفاظ عليها، وأدائها كاملة، كما أن تجنب المكروهات والمشتبهات مما يعين على ترك المحرمات، فإذا تساهل المسلم بالسنن جره التساهل إلى أن يتساهل بالواجبات، وإذا تساهل بالمكروهات والمشتبهات جره هذا حتى يقع في المحارم، فالمحافظة على السنن والمندوبات في الحقيقة محافظة على الواجبات والفرائض، كما أن الحذر من المكروهات والمشتبهات حذر من المحارم والبعد عن المحارم.