الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
أيها الإخوة في الله: لقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد بن عبدالرحمن الراوي، والشيخ محمد بن حسن الدريعي، والدكتور عواض ....... في موضوع عظيم، وموضوع جدير بالعناية ألا وهو موضوع الإخوة الإسلامية، وما حصل من بعض المسلمين من التقصير فيها وعدم القيام بالواجب نحوها، ولقد أجادوا وأفادوا وأوضحوا، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا.
لا شك أن الأمر عظيم أن الواجب على المسلمين أينما كانوا أن يحققوا الإخوة الإسلامية في أنفسهم وفي مجتمعهم، وأينما كانوا من أرض الله هذا واجبهم، والله فرض عليهم ذلك لينصروا المظلوم، ويردعوا الظالم، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويقيموا شرع الله في أرض الله، ويتعاونون على البر والتقوى، وبذلك تصلح مجتمعاتهم وينصرون على أعدائهم، ويستحقون من الله النصر في الدنيا والسعادة في الآخرة.
ولقد كان المسلمون من أول ما بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام حريصين على تطبيق هذه الإخوة، وقد سمعتم ما ذكر الدكتور عواض عن المجتمع المدني في عهده عليه الصلاة والسلام، وما فعله ﷺ حين قدم المدينة من المسارعة إلى تحقيق هذا الأمر من جهة المسجد، والإخاء بين الأنصار والمهاجرين، والموادعة لليهود إلى غير هذا من أسباب استقامة الأمر، وتثبيت الدولة الإسلامية في مقرها الجديد المدينة المنورة، ثم ما جرى بعد ذلك في غزواته ﷺ، وحله ما قد يقع من المشاكل بين الصحابة، ثم ما وقع في عهد الصديق، وفي عهد عمر، ثم في عهد عثمان، ثم ما جرى بعد ذلك بعد مقتل عثمان من الشرور التي حصلت بأسباب الإخلال بواجب الإخوة الإسلامية من بعض الناس، وهكذا كلما ضعف الإخلال بهذا الواجب كثرت المشاكل، ولكن إلى يومنا هذا لا يزال بحمد الله يوجد من ينصر الحق، ويوجد من يدعو إلى الحق، كما قال النبي ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بأمر الله لا يخلو منها زمان، ولكن تقوى في جانب، وتضعف في جانب، وإلا فالحق موجود وإن قل أهله في أماكن كثيرة، لكن ما أخبر به النبي ﷺ واقع، ولا تزال الكلمات والمقامات الصادعة بالحق تنشر هاهنا وهاهنا، وسماعها هاهنا وهاهنا فيستجيب لها الأقل ويأبى الأكثر الأخذ بها، وآخرون لا يتبعونها ولا يصغون إليها ابتلاء وامتحانًا.
فعلى المؤمن أن ينتبه لهذا الواجب وإن تركة الأكثرون، وعليه أن يصدع بالحق، وإن غفل عنه الغافلون، ويقارب بالحق وهو الجماعة وإن قل أولئك القائمون به، وقد أوضح المشايخ هذه الحال في الإخوة الإسلامية وما فيها من الفوائد العظيمة والمصالح الجمة للمجتمع الإسلامي في العاجل والآجل؛ لأن حقيقتها تكاتف وتعاون على البر والتقوى، حقيقتها إصلاح الشأن وتوجيه الناس إلى الخير، والأخذ على يد السفيه، ورد الظالم عن ظلمه، وأطره ونصر المظلوم، والأخذ بيده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإفشاء أمر الله في أرض الله وإعلانه، هذه الإخوة الإسلامية نصر الحق وإظهار للحق، والأخذ على يد السفيه، وردع للظالم، ونصر للمظلوم، وإقامة للحدود إلى غير هذا.