بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، والدكتور سعود.......، والشيخ عبدالله بن صالح ...... فيما يتعلق ببيان فضائل القرآن وعظمته وفضل قراءته وتدبره وآداب حملته وما يتعلق بالعمل به وتحكيمه، ولقد أجاد المشايخ فيما أوضحوا وبينوا فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وسمعنا.
أيها الإخوة في الله: لا ريب أن موضوع الندوة موضوع عظيم، وهو كتاب الله المنزل، كلام الرب عز وجل، فإن القرآن هو أشرف كتاب وأفضل كتاب أنزله الله على أشرف نبي وأفضل نبي، وهو محمد عليه الصلاة والسلام في أفضل بقعة وأشرف بقعة، وهي مكة المكرمة في أفضل زمان وأعظم زمان، وهو ليلة القدر، هذه فضائل عظيمة في كتاب الله العظيم، وهو كتاب فيه الهدى والنور، فيه الدلالة على كل خير، والتحذير من كل شر، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والترهيب من سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال، فيه الأوامر بما يرضي الله، ويقرب لديه، ويكون سببًا للسعادة العاجلة والآجلة، وفيه الترهيب والتحذير مما يغضب الله ويسخطه، ومما يكون سببًا لدخول النار وغضب الجبار، فيه الدلالة على أخبار الأنبياء والأمم، وما جرى لهم، فيعتبر المعتبر ويتعظ المتعظ، قص علينا سبحانه في كتاب الله العظيم أخبار الأمم أخبار من عصى الله وما حصل لهم من النقمات والعقوبات وأخبار الرسل ومن أطاعهم وما حصل لهم من النصر والتأييد والعاقبة الحميدة كما يقول جل وعلا: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111].
وهو أحسن القصص، هذا الكتاب العظيم، هو أحسن القصص كما قال : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3]، وهو أحسن الحديث كما قال سبحانه: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر:23] يعني: كتاب يشبه بعضه بعضًا، ويصدق بعضه بعضًا، ويؤيد بعضه بعضًا، فما قضاه في آية قضاه في آية أخرى موضحة مبينة ومؤيدة يذكر هذا الحكم في آية مختصرًا ثم يذكره مبسوطًا، أو يذكره مبسوطًا ثم يذكره مختصرًا حتى تتكرر عليك الآيات المحكمات في بيان أحكام الله، وفيما قص من أمر رسله يذكر القصة في موضع مختصرة، وفي موضع مبسوطة، وبالعكس هذا كله لعظم البيان، ومن إقامة الحجة ضرب فيه الأمثال، ونوع فيه الأمثال ليتعظ المؤمن ويتبصر، وجعل هذا الكتاب العظيم هاديًا إلى الخير وإلى الصراط المستقيم إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] يعني يهدي للطريقة التي هي أقوم الطرق وأسدها وأصلحها وأشرفها، من اهتدى به واستقام عليه نجا وفاز بالسعادة في الدنيا والآخرة، ومن حاد عنه هلك.
وقد سمعتم من المشايخ في هذا المقام ما فيه الخير الكثير والخيرة الكثيرة، فجدير بالمؤمن أن يعنى بهذا الكتاب العظيم في جميع الأحوال، إن حفظه قرأه حفظًا واجتهد في ذلك وتعاهده، وإن كان لا يقرأه حفظًا قرأه نظرًا من المصحف وتعاهده ليستفيد ليعمل ليس لمجرد التلاوة، التلاوة عظيمة وفائدة وعبادة وفيها أجر كثير كما في حديث ابن مسعود يقول النبي ﷺ: من قرأ حرفًا من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، كلما قرأ يقصد وجه ربه ويريد الفائدة فهو على خير عظيم، وله حسنات تكتب، فهي قراءة له، وهي عبادات، وهي وسيلة إلى معرفة معناه، وتدبر معناه، والمقصود من ذلك الأعظم هو العمل، فالقراءة والتدبر والتعقل والمذاكرة كل ذلك وسيلة إلى المقصود الأعظم وهو العمل بما فيه من أداء الفرائض وترك المحارم والوقوف عند حدود الله وإقامة أمر الله والحكم بشريعة الله في نفسك وبين عباد الله كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29]، وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، فهو أنزل ليعقله المكلف وليتدبره وليعمل به، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].
والمقصود من التدبر والتعقل أن تعمل، تقرأ قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، ليس المقصود أنك تقرأها، المقصود أن تعمل بها، أن تقيم الصلاة كما أمر الله، وتحافظ عليها مقيمًا لها متممًا لها، أقيموا يعني: صلوها قائمة تامة ليس فيها نقص لا عجلة ونقر ولا غير ذلك من النقص، بل تقيمها كما شرع الله في أوقاتها مع إمامك مع المسلمين مع العناية بطهارتها وبقية ما شرع الله فيها.
وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] كذلك ليس المقصود أن تقرأ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] المقصود أن تعمل وتؤدي الزكاة كما أمر الله وتعطيها أهلها.
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] يعني صل مع المصلين، لا تصل في بيتك، صل مع المصلين مع إخوانك، يقول النبي ﷺ: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر بعض الناس والعياذ بالله لا يبالي بهذا، ويتشبه بأعداء الله المنافقين، ولا يعرف المساجد، والمصطفى عليه الصلاة والسلام قال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب وهو أعمى ليس له قائد يلائمه فيوصله أمره أن يجيب ويلتمس الطريق للوصول إلى المسجد بكل ما يمكنه، وفي اللفظ الآخر قال: لا أجد لك رخصة، فكيف بمن عافاه الله وأعطاه البصر والصحة وقرب المساجد وسماع النداء، ثم يصلي في بيته لماذا؟
ومن المصائب العظيمة أن بعض الناس وإن صلى بعض الأوقات ولكن لا يصلي الفجر، هذه بلية عظيمة حدثت في الناس يسهرون في الليل وينامون عن الفجر، هذا منكر عظيم، ومن أسباب ذلك سهرهم على الإذاعة أو التلفاز أو في أمور أخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يجب أن تنال النومة التي تكفيك حتى تقوم لصلاة الفجر، حتى تصلي مع الناس، ما هو في بيتك، إذا قمت للعمل صليت بعد طلوع الشمس! لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا منكر عظيم إذا تعمد الإنسان أنه يؤخر الصلاة إلى بعد طلوع الشمس كفر عند جمع من أهل العلم ....... لأنه تعمد تركها وإخراجها عن وقتها لابد يجعل ساعة يستعين بها .......
فلا بد أن يتقدم بالنوم في الوقت الذي يعينه على القيام على صلاة الفجر مع المسلمين، وهكذا العصر بعض الناس يأتي من العمل، ثم ينام في وقت العصر، هذا أيضًا فساد كبير ومنكر عظيم يا عباد الله، عليكم بتقوى الله اتقوا الله في هذه الصلاة، فهي عمود الإسلام، هي عمود الدين رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، ويقول عليه الصلاة والسلام: أول ما يحاسب عليه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي لفظ: فإن قبلت منه صلاته قبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله، فالأمر عظيم.
ويقول ابن مسعود : "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق"، يعني الجماعة "ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" يحمله اثنين يعضدونه اثنين من بيته إلى المسجد حتى يقوم في الصف من شدة حرصهم على الجماعة، وهكذا قوله جل وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، ليس الأمر للتلاوة، فيها عبادة، وفيها خير عظيم، ولكن المقصود ما وراء ذلك وهو العمل، أن توحدوا الله وتخصوه بالعبادة لا تعبدوا معه ملكًا ولا نبيًا ولا صالحًا ولا جنيًا ولا غير ذلك، لا تعبدوا مع الله أصحاب القبور، ولا الأنبياء ولا غيرهم، فالعبادة حق الله، هو الذي يدعا ويرجى ويستغاث به وينذر له ويتقرب إليه بالذبائح ويتقرب إليه بالصلاة بالصوم بالصدقات له وحده .
ثم قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] يعني: أحسنوا للوالدين، فالوالدان حقهما عظيم، فالواجب الإحسان إليهما في الكلام والفعال، كلام طيب وفعل طيب مع الوالدين، برهما بالنفقة والكلام الطيب والسمع والطاعة بالمعروف إلى غير ذلك، وهكذا قوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وهكذا غيرها من الآيات تقرأها وأنت في نفسك حاسم مصمم على أن تعمل لا مجرد قراءة فقط، تقرأ وتعمل، هكذا يجب عليك يا عبد الله، وهكذا يجب على جميع إماء الله من النساء، وعلى الملوك، وعلى العامة، وعلى الرجال، وعلى النساء، وعلى الأغنياء، وعلى الفقراء، كتاب عظيم أنزل لنا لنعمل به، وجعله الله ذكرى وعظة ومعجزة وحجة إلى أن ينزع من الصدور، وإلى أن ينزع من الصحف أيضًا.