فيما يتعلق ببر الوالدين وصلة الرحم ولقد أجادوا وأفادوا وبينوا ما ينبغي بيانه من حق الوالدين وحق الرحم، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، ورزقنا وإياكم وإياهم المزيد من العلم النافع والعمل الصالح، ووفقنا جميعًا للعلم بما سمعنا من الخير والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه.
أيها الإخوة في الله: إن ما أوضحه المشايخ فيه الخير الكثير، والبركة والكافية من جهة بر الوالدين، ومن جهة صلة الرحم، وهذان الأمران أمره في الجملة معلوم عند المسلمين، والواجب التذكير بهما دائمًا، والحث عليهما دائمًا؛ لأنه قد حصل في الوقت الأخير من الجهل والتفريط لهذين الأمرين ما لا يحصيه إلا الله ، فبر الوالدين من أهم الفرائض، ومن أعظم الواجبات، وهكذا صلة الرحم من أهم الفرائض، كما أن العقوق والقطيعة من أكبر الكبائر، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة العناية بهذا الأمر، وقد بين الله في كتابه الكريم هذا الأمر، بين أمر الوالدين وأمر الرحم، فلا عذر لمسلم في التفريط في ذلك، ثم جاءت السنة العظيمة الصحيحة ببيان حق الوالدين أيضًا، وحق الرحم، فقد اجتمع الكتاب والسنة على بيان حق الوالدين، ووجوب الإحسان إليهما وبرهما، وعلى تحريم عقوقهما، وهكذا صلة الرحم، وقد سمعتم من ذلك الآيات الكثيرات منها قوله جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا الآية [الإسراء:23]، ومنها قوله جل وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، ومنها قوله جل وعلا: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14] في آيات أخرى قرن الرب سبحانه حق الوالدين بحقه وما ذاك إلا لعظم شأن هذا الحق، فالله قرن حقهما بحقه، وحقه أعظم الواجبات، حق الله هو أعظم الواجبات، وهو توحيده والإخلاص له، وعبادته وحده جل وعلا، هذا هو أعظم الحقوق، وأعظم واجب، وقد قرن حق الوالدين بحقه، قال أهل العلم: وما ذاك إلا لأنهما سبب وجود الولد بعد إيجاد الله ، فهما سبب وجوده بإيجاد الله له، وإيجاد الله لهما، فجعلهما سببًا لوجوده، ثم عطفا عليه وأحسنا إليه وربياه وتعبا في شأنه فكانا جديرين ببرهما منه والإحسان إليهما منه.
ثم جاءت النصوص بتحريم العقوق، وبيان أنه من أكبر من الكبائر، كما سمعتم في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاث مرات يرددها، قال الصحابة: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين جعله جنب الشرك، البر جنب التوحيد، والعقوق جنب الشرك، وهذا غاية في بيان عظم حق الوالدين، برهما قرين التوحيد الذي هو حق الله وأعظم الحقوق والواجبات، والعقوق يلي الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأعظم الكبائر، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور؛ لأن شهادة الزور لها خطر كبير، فجعلها ثالثة في أكبر الكبائر؛ لأن بشهادة الزور تستحل بها الفروج، ويستباح بها الأموال، وتنتهك بها الأعراض، وتسفك بها الدماء، فشأنها خطير والعياذ بالله، ولهذا صارت في المنزلة العظيمة في كبائر الذنوب، نعوذ بالله.
فعلى المؤمن أن يتقي الله أولًا في إخلاص العبادة لله وحده في طاعة ربه وأداء حقه وتوحيده سبحانه، والحذر من الإشراك به هذا هو أعظم الأمور، قال ابن مسعود سئل النبي ﷺ أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك فأعظم الذنوب الإشراك بالله، وأعظم الحقوق حقه سبحانه وتوحيده والإخلاص له وإفراده بالعبادة جل وعلا، ثم الحذر بعد حق الله وبعد ترك الإشراك الحذر أيضًا من العقوق، فالمؤمن أبدًا في جهاد دائم في أداء حق الله وفي طاعته سبحانه والتماس مرضاته، والوقوف عند حدوده، وبالحذر مما حرم من الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وسائر المحرمات من الزنا والسرقة وأكل الربا وأكل أموال اليتامى وغير هذا مما حرم الله .
فأنت في هذه الدار في هذه الحياة في جهاد، يجب عليك ألا تفتر أبدًا، يجب عليك أن تحاسب نفسك أبدًا، وأن تحذر ما حرم الله عليك دائمًا دائمًا، وأن تجتهد في أداء ما أوجب الله عليك، وأعظم الواجبات وأهمها توحيد الله والإخلاص له، وأعظم الذنوب وأكبرها الإشراك بالله، واتخاذ الأنداد معه ، ثم بعد ذلك حق الوالدين برهما والإحسان إليهما، والحذر من عقوقهما وقطيعتهما، والعقوق هو قطعهما، يقال: عق السيل الأرض إذا حفرهما، والعقيق هو الأرض المنحدرة بالماء، فالعقوق سمي الإساءة إليهما عقوقًا لما فيها من قطعة الصلة بهما والإحسان إليهما، فالعاق لوالديه قاطع للإحسان إليهما، ومسيئ إليهما، نسأل الله العافية.