أهمية صلة الرحم والحذر من قطيعتها

وقد سمعتم في الرحم ما سمعتم أن الرحم لها شأن، والله جل وعلا قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ  [النساء:1] أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقال سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]، فالأرحام جميع القرابات وأعظمها وأهمها الوالدان، فعقوقهما قطيعة للرحم وعقوق للوالدين، ثم يلي ذلك من دونهما من الأجداد والجدات والأولاد وأولاد الأولاد، ثم الإخوة وبنوهم، ثم العمومة وبنوهم، ثم الأخوال والخالات إلى آخر ......

فعلى المؤمن أن يتقي الله في والديه وفي أرحامه، فيحرص غاية الحرص على صلة الأرحام، وبر الوالدين، ويحذر غاية الحذر من العقوق للوالدين، ومن قطيعة الرحم، وقد سمعتم بعض الأحاديث في ذلك، ومما جاء في هذا الحديث الصحيح قيل: يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب، فجعله في المرتبة الرابعة الأب لعظم ما تعتني به الوالدة، وما يحصل لها من المشقة، فهي في المرتبة الأولى، وسمعتم قوله ﷺ: لا يدخل الجنة قاطع رحم، وهذا وعيد عظيم مع الآية الكريمة، ثم في ذلك من الخير العظيم في بر الوالدين وشكرهما وصلة الرحم في ذلك من رضا الله وعظيم الأجر وسعة الرزق ما فيه، من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه، ويقول ﷺ: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.

كثير من الناس قد يصل فإذا توقف قريبه توقف فجعل الصلة مكافأة فقط لا لا تكن هكذا، الواصل في الحقيقة هو الذي يصل وإن قطع الرحم، يحسن إليهم وإن أساؤوا يصلهم، وإن قطعوا يزورهم، وإن لم يزوروا يفوز بالخير هو، وهذا مما يدعوهم إلى أن يرجعوا، يدعوهم إلى أن يتفطنوا وينتبهوا، ومن أعظم الأسباب في أن يستحوا وأن يشير عليهم غيرهم وينصحهم غيرهم حتى يرجعوا إلى الصواب.

وسمعتم الحديث الآخر الذي ذكره المشايخ الرجل الذي قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، قال له الرسول ﷺ: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك، فالله يعينه على صلتهم، وعلى إحسانه إليهم، ويكفيه شرهم ما دام على هذا الخير العظيم.

فالمؤمن والمؤمنة من شأنهما أن يبرا الوالدين وأن يصلا الرحم سواء كان هذا الرحم واصلًا أو قاطعًا، وسواء كان الأبوان رفيقين به ومحسنين إليه أم ليسا كذاك، فعليه أن يحسن إلى والديه ويبرهما، وإن أساءا إليه لا يقابل إساءتهما بالإساءة، بل يحسن إليهما ويرفق  بهما حتى ولو كانا مشركين، قال الله جل وعلا: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [لقمان:15]، ثم قال بعدها: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، فأمر أن يصحبهما في الدنيا معروفًا بالإحسان إليهما والرفق بهما لعلهما يهتديان لعلهما ينيبان إلى الله لعلهما يسلمان، فكيف إذا كانا مسلمين الأمر أعظم يحسن إليهم وإن أساءا إليه بعض الإساءة، وإن تكلما عليه وإن سباه يرفق بهما ويحسن إليهما ويتلطف بهما ويعاملهما باللطف والكلام الطيب والأسلوب الحسن، ولا ينهرهما ولا يسيء إليهما بشيء من أنواع الإساءة، ويدعو لهما بالهداية والتوفيق، ويدعو لهما بكل ما ينفعهما في الدنيا والآخرة، هكذا يكون المؤمن، وهكذا تكون المؤمنة مع الوالدين ومع الأقارب.

نسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لما يرضيه، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره، وعلى أداء الحق له سبحانه وللوالدين وللأقارب ولسائر المسلمين، وهذه المسائل مثل ما تقدم في ندوات أخرى ومحاضرات ينبغي للمؤمن إذا سمعها أن يبثها في غيره وينقلها إلى غيره، كان النبي ﷺ يقول للناس إذا خطبهم وذكرهم: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.

فأنتم أيها الإخوة عليكم أن تبلغوا ما سمعتم من هذه الندوات المباركات، عليكم أن تبلغوا والديكم وأبناءكم وقراباتكم من الرجال والنساء حتى يستفيدوا كأنهم حضروا حتى تكون الفائدة أعم وأشمل، ينقلها المؤمن إلى أقاربه وإلى جيرانه وإلى جلسائه في أي مكان كان، ولو سافر إلى البلاد البعيدة أينما كان يتذكر ما سمع من الخير ويبثه في جلسائه وأهله وأقاربه، وينصح لهم ويذكرهم بالخير حتى يستفيدوا من الندوات والمحاضرات والعلم الذي لم يحضروه، وهذا هو مراد النبي ﷺ حيث يقول: بلغوا عني ولو آية فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد يشهد الله عليهم أنه بلغهم وأمرهم أن يبلغوا عليه الصلاة والسلام وصلى الله عليه وسلم، وجزاه عنا خيرًا.

فأنتم عليكم أن تمتثلوا، عليكم أن تبلغوا ما تسمعون من الخير، قال الله وقال رسوله تبلغونه إلى غيركم، ويكون لكم من الأجر مثل أجر من هداه الله على أيديكم كما قال النبي ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، فأنتم إذا بلغتم أهاليكم وبلغتم أقاربكم وبلغتم جلساءكم وجيرانكم إذا انتفع به منتفع صار لكم مثل أجره لكم أجر التبليغ، ولكم مع هذا مثل أجور من هداه الله بأسبابكم، هذه نعمة عظيمة وخير كثير، وفق الله الجميع لما يرضيه، ورزقنا وإياكم صلاح القلوب وصلاح الأعمال، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.