بَابُ قِتَالِ الْجَانِي وقَتْلُ الْمُرْتَدِّ
1209- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ.
1210- وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فانتزع يدَه من فمه؛ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟! لَا دِيَةَ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
1211- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ: لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا الباب في قتال الجاني، يعني: المتعدِّي الصَّائل، والمرتد عن دينه، فالجاني يُقاتَل، والمرتد يُقتل، إلا أن يتوب؛ لقول النبي ﷺ: مَن بدَّل دِينَه فاقتلوه، والجاني هو الصَّائل؛ ولهذا قال ﷺ: مَن قُتِلَ دون ماله فهو شهيدٌ، وفي اللفظ الآخر: مَن قُتِلَ دون ماله فهو شهيدٌ، ومَن قُتِلَ دون دينه فهو شهيدٌ، ومَن قُتِلَ دون أهله فهو شهيدٌ.
فالإنسان يُقتل دون دينه، أو ماله، أو أهله، فهو شهيدٌ؛ لأنه مظلومٌ، فإذا دافع عن دينه، أو دافع عن ماله، أو دافع عن أهله، فهو شهيدٌ؛ لأنه مظلومٌ، وهذا كثيرًا ما يقع بين الناس، والضابط أنه قُتل بغير حقٍّ، فهو شهيدٌ.
وإن قتل هو مَن ظلمه فلا شيء عليه، وفي الحديث الصحيح يقول: يا رسول الله، الرجل يأتيني يُريد مالي؟ قال: لا تُعْطِه مالك، قال: إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: إن قتلني؟ قال: فأنت شهيدٌ، قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار رواه مسلم في "الصحيح". وذكره المؤلف هنا مناسبةً للمقام.
المقصود أن الإنسان قد يتعدَّى عليه أحدٌ، فيُجبره على شيءٍ، مثل: يُجبره على اللواط، أو امرأة تُجْبَر على الزنا، فيُدافع عن نفسه، ثم قُتلت، أو قُتل، فهو شهيدٌ، وإن قتل الجاني الصَّائل فهدر، إن أراد إجباره على اللواط أو الزنا فقُتل فهو هدر؛ لظلمه وعُدوانه.
وهكذا في الجهاد إذا أراد الكافرُ أن يقتله، ودافع عن نفسه، فهو شهيدٌ، أو أراد الصَّائل أن يأخذ ماله، فدافع عن ماله فقُتل فهو شهيدٌ، وإن قتل الجاني فالجاني ظالم هدر، ولهذا قال: لا تُعطه مالك، قال: فإن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيدٌ، قال: فإن قتلتُه؟ قال: فهو في النار، ولهذا قال ﷺ: لو أنَّ امرأً اطَّلع عليك بغير إذنٍ فخذفته بحصاةٍ، والخذف بأطراف الأصابع، ويُروى بالحذف: حذفتَه، ففقأتَ عينَه لم يكن عليك من جناح؛ لأنه ظالم حينئذٍ.
وثبت عنه ﷺ أنه رأى رجلًا يطَّلع عليه، فجعل يطعن عينَه، فذهب، وقال: لو بقيتَ لطعنتُ عينَك.
فالمقصود أنَّ هذا الذي يطلع على الناس من ثقب الباب أو جدارٍ هذا ظالم، فإذا فُقئت عينه فهو هدر؛ لأنه هو المعتدي.
وهكذا حديث يعلى بن أمية: أنه قاتل رجلًا، فعضَّ يده، فنزع يعلى يده من العاضِّ، فسقطت ثنيَّةُ العاضِّ، فاختصما إلى النبي ﷺ، فهدر النبي ﷺ ثنيَّته، وقال: يدع يده في فمك تقضمها كما يقضم الفحلُ؟! يعني: أنك مُتعدٍّ، وقوله: ينزع يده، وسقطت الثنيةُ بسبب نزع اليد هدر، كذلك لو نزع يدَه منه فسقط بسبب نزع يده فأصابه شيء هدر.
والله أعلم.
الأسئلة:
س: كذلك مَن قُتل دون عرضه فهو شهيدٌ؟
ج: نعم، الحديث: دون أهله يعني: دون عِرْضِه.
س: ........... يُقاس على العضَّة باقي الأعضاء؟
ج: نعم، مثله، لو تماسك هو وإياه وحصل بسبب التَّماسُك شيء ضرَّ الظالم فهدر: انقطع أصبعه، أو انكسر أصبعه.
س: ........... مَن تسَمَّع بأذنه؟
ج: في الحديث الصحيح: مَن تسَمَّع لحديث قومٍ وهم له كارهون صُبَّ في أذنيه الآنك يوم القيامة.
س: لكن هل يُطعن في أذنه؟
ج: ظاهر الحديث من باب أولى، العين أشدّ.
س: لو كان العاضُّ هو المظلوم؟
ج: يعني: ينتقم من العاضّ، ضربه؟
س: إيه.
ج: ظاهر الحديث ولو؛ لأنه يسخط، يأخذ الحاجة بدون عضٍّ، بالقصاص، بالمحاكمة، يأخذ حقَّه بغير العضِّ.
س: حديث عبدالله بن عمر، يقول في نسخةٍ يا شيخ: عبدالله بن عمر، ورجعتُ إلى المصادر فهو عبدالله بن عمرو؟
ج: نعم؟
س: الحديث الأول: مَن قُتِلَ دون ماله؟
ج: يحتمل، كلاهما خير، يُراجع، سواء عمرو أو عمر كله واحد، كله طيب.
س: مَن مات على خطأ هل هو شهيد؟
ج: يُرجى له إن شاء الله، وكذلك الذي يقع في حوادث السيارات، يُرجى لهم إن شاء الله.
س: المقصود بالشَّهادة؟
ج: أجر الشَّهادة، وإلا فهو يُغسَّل ويُصلَّى عليه، له أجر الشَّهادة، مثل: المبطون، والمصاب بالهدم، والغرق، فالشَّهادة أهمية، لها أجرٌ خاصٌّ.
س: ...........؟
ج: الله أعلم، هذا يحتاج إلى صحَّة الخبر.
س: سمعتُك تقول في "نور على الدرب": أن حوادث السيارات تُعتبر عقوبة؟
ج: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، لكن ما يمنع أن يكون خطأ.
س: الشهيد الذي لا يُغسَّل شهيد المعركة؟
ج: شهيد المعركة خاصَّة.
س: حديث: المسألة كدٌّ يكد بها الرجلُ وجهَه، إلا أن يسأل سلطانًا، أو به حاجة؟
ج: لا بأس به، أو في أمرٍ لا بُدَّ منه إلا صاحب سلطانٍ، أو في أمرٍ لا بد منه، إذا احتاج يسأل قدر الحاجة، يقول النبيُّ ﷺ: إنَّ المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحمَّل حمالةً، فحلَّت له حتى يُصيبها ثم يُمسك، ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فحلَّت له حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ، ورجل أصابته فاقةٌ –أي: فقر- حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ، وما سواهنَّ يا قبيصة من المسألة سُحْتٌ، يأكله صاحبُه سُحْتًا رواه مسلمٌ، هذه الثلاث عذرٌ في السؤال.
والسلطان عذرٌ أيضًا، سؤال السلطان من بيت المال إذا كان بقدر الحاجة، ما هو بقصد التَّكثر، أما التَّكثر فيقول النبي ﷺ: مَن يستعفف يُعفّه الله، ومَن يستغنِ يُغنه الله.
س: درجته لا بأس به؟
ج: لا بأس به، نعم.
س: .............؟
ج: لا بأس به، لا بأس به من بيت المال.
س: ما يسير فيها نوعٌ من ..؟
ج: لا، بل استعفَّ عن أخيه.
س: يمين الطلاق يقع إذا كان القصدُ به الإيقاع على المرأة في غير طُهْرٍ؟
ج: نعم؟
س: يمين الطلاق هل يقع؟
ج: هذا فيه تفصيل، إذا وقعت يُراجعوا المحاكم، أو يدعوا المفتي.
س: .........؟
ج: أقول: هذا فيه تفصيل.
س: إذا كانت المرأةُ في غير طهرٍ، وكان قصده الإيقاع؟
ج: فيه تفصيل.
س: "المُقاتَلة" المقصود المُدافعة؛ ليُدافع هذا الشخص الذي يأخذ مالي؟
ج: هي المدافعة.
س: أو أقتله يا شيخ؟
ج: المدافعة، تدفع بالأسهل فالأسهل.
س: هل الحوض قبل الصِّراط أم بعده؟
ج: قبل الصراط، الحوض قبل الصراط، القنطرة التي بعد الصراط، القنطرة التي يقف عندها للتقاصِّ بين المسلمين هذا بعد الصراط، قنطرة يتقاص فيها أهلُ الجنة، أما الحوض فهذا قبل، إذا نُوقِش قبل الصراط فهذه الشدة.
س: مسألة الحذف يثبت قبل أو يحذفه فقط؟
ج: وأيش هو؟
س: مسألة الحذف يثبت عليه أو يحذفه؟
ج: الخاذف يخذفه، لكن عادةً ما يُطاع إلا ببينةٍ و..... يفعل ما يشاء، لا بد من بينةٍ، ولهذا لا يعجل، يقول: اتَّقِ الله يا عبدالله، توكَّل على الله، احذر، ما أسمح لك؛ حتى لا يقع في مشاكل، يُحذِّره.
س: فعل النبي ﷺ حين اغتال الرجل؟
ج: النبي معصومٌ، ما هو مُكذَّبٌ.
1212- وعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا، وأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا، وأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ، والْأَرْبَعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ.
1213- وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ ثم تَهَوَّدَ: "لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَأُمِرَ بِهِ فَقُتِلَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: وكَانَ قَدِ اسْتُتِيبَ قَبْلَ ذَلِكَ.
1214- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1215– وعَنه : أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ ولَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ ﷺ وتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَخَذَ الْمِغْوَلَ، فَجَعَلَهُ فِي بَطْنِهَا، واتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: أَلَا اشْهَدُوا، فإنَّ دَمَهَا هَدَرٌ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، ورُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة تتعلق بقتال الجاني، وقتل المرتد:
حديث البراء بن عازب الأنصاري رضي الله عنه يُبين فيه النبيُّ ﷺ أنَّ حفظ الزروع بالنهار على أهلها، وحفظ المواشي بالليل على أهلها، وعلى أهل المواشي ما أصابت ماشيتُهم بالليل، لما كان الناسُ قد يرعون مواشيهم حول مزارع الناس بيَّن النبيُّ ﷺ أنهم يضمنون: مَن حام حول الحمى وقع فيه، لكن على أهل المواشي أن يحفظوها، وأن يصونوها بالنهار، وعلى أهل الزروع أن يصونوا مزارعهم بالنهار، وعلى أهل المواشي أن يصونوا مواشيهم بالليل؛ لأنَّ الناس في الليل ينامون، ويحتاجون إلى الراحة، فعلى أهل المواشي أن يصونوا مواشيهم، فإذا وقعت مواشيهم في الليل على مزارع الناس ضمنوا، أما بالنهار: فغالب النهار أن الناس يحمون مزارعهم عن مواشي الناس؛ لأنهم يقظة، ويستطيعون حماها، وأهل المواشي من الإبل والبقر والغنم قد لا يستطيعون بسبب تركها في المرعى.
وهذا الحديث وإن كان في سنده اختلافٌ، ولكنه لا بأس به، فطرقه يشدّ بعضُها بعضًا، ولا بأس به، والمعنى صحيح، فعلى أهل المواشي أن يصونوا ماشيتهم عن إيذاء الناس بالليل، وعلى أهل الحوائط أن يحفظوا حوائطهم بالنهار، لكن إذا كانت المواشي ترعى حول الحمى ضمنها أهلُ المواشي؛ لأنهم مُفرِّطون، وقد قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصحيح: ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمه، وقبلها يقول ﷺ: مَن وقع في الشُّبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يُوشِك أن يقع فيه، والإنسان الذي عنده مواشٍ يُبعدها عن الحمى، يجب عليه أن يُبعدها عن حمى الناس، وعن زروع الناس، فإذا أرعاها حول زروع الناس فقد فرَّط، وقد أساء، فيضمن، وهو غير داخلٍ في الحديث؛ لأنه ظالمٌ في هذه الحالة، مُعتد، أما إذا كان بعيدًا وغلبه نومٌ أو نحو ذلك فليس عليه ضمانٌ؛ لأنَّ أهل الزروع هم الذين فرَّطوا، وما حموها، أما في الليل فيضمن صاحبُ الماشية.
الحديث الثاني: فيه الدلالة على أنَّ مَن ارتدَّ عن دينه استُتيبَ، وإلا يُقتل، ولا يُترك؛ لقوله ﷺ: مَن بدَّل دينَه فاقتلوه.
وفي "الصحيحين" عن معاذٍ : أنه في اليمن زار أبا موسى، وكلٌّ منهما أميرٌ، أبو موسى أميرٌ على ناحيةٍ في اليمن، ومعاذٌ أميرٌ على ناحيةٍ، فزار معاذٌ أبا موسى، فوجد عندهم يهودي قد قُيِّدَ، فسأل معاذ: ما شأنه؟ ومعاذ على مطيَّته لم ينزل، فقال أبو موسى: إنه قد ارتدَّ عن دينه، فقال معاذ: لا أنزل عن مطيَّتي حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله، وكان قد استُتيب ذلك فلم يتب، لم يرجع إلى الإسلام.
فهذا يدل على أنَّ الإنسان إذا ارتدَّ يُقتل، يُستتاب فإنَّ تاب وإلا يُقتل، ولهذا قال معاذ: لا أنزل حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله، والمراد بقضاء الله ورسوله: قوله مَن بدَّل دينَه فاقتلوه، إذا كان مُسلمًا فارتدَّ يُقتل، إلا أن يتوب، والمشهور عن العلماء أنه يُمْهَل ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قُتل، هذا الأرجح عند أهل العلم: أن يُمهل كما قضى عمر وجماعةٌ .
وحديث ابن عباس: أن أعمى كانت له جارية تقع في النبي ﷺ وتسبُّه، وكان ينهاها فلم تنتهِ، وفي بعض الليالي وقعت في النبي ﷺ وسبَّتْهُ، فنهاها، فأبت، فأخذ مغولًا ووضعه في بطنها، فاتَّكأ عليه فقتلها، فأُشيع عند الناس أنها قُتلت، فأنشد النبيُّ ﷺ الناسَ أنَّ مَن قتلها يتقدَّم إلى النبي ﷺ، فتقدَّم الأعمى، والناس ينظرون بين يدي النبي ﷺ، وقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتُمُك وتقع فيك، وأنهاها ولا تنتهي، فلما كان ذات ليلةٍ وقعت فيك، وزجرتها وأبت عليَّ، فأخذت المغول، فاتَّكأتُ عليها وقتلتُها، فقال النبيُّ ﷺ والناس يسمعون: ألا اشهدوا أنَّ دمها هدر؛ لأجل سبِّها للنبي ﷺ.
فدلَّ على أنَّ السابَّ يُقتل، وأنَّ دمه هدر، وقد أجمع المسلمون على ذلك؛ أنَّ مَن سبَّ النبيَّ ﷺ يُقتل، أفتى به غيرُ واحدٍ: كإسحاق بن راهويه، وغيره، وأنَّ ردَّته عظيمة، ومن حُجَّتهم هذا الحديث، ومن حُجَّتهم أيضًا: أن النبي ﷺ أمر بقتل كعب بن الأشرف لما كان يقع في النبي ﷺ ويسبُّه، من يهود المدينة، وكذلك أمر بقتل عبدالله بن سعد بن أبي سرح، وكان يسبُّ النبي ﷺ، لكنه جاء تائبًا نادمًا يوم الفتح، وشفع له عثمان، فعفا عنه النبيُّ ﷺ.
فهذا يدل على أنَّ السابَّ يُقتل، ولولي الأمر أن يعفو عنه إذا جاء تائبًا نادمًا مُقلعًا، له أن يعفو عنه، كما عفا النبيُّ ﷺ عن عبدالله بن سعد بن أبي سرح، وعفا النبيُّ ﷺ عن أبي سفيان ابن الحارث بن عبدالمطلب، ابن عم النبي، كان يهجو النبيَّ ﷺ، وكان يهجو المسلمين، وكان بينه وبين حسان مُناظرات، ومسابة بينه وبين حسان، يهجو حسانًا، وحسان يهجوه، حتى أسلم قبيل الفتح، وقبل منه النبيُّ ﷺ، وقبل توبته.
فالمقصود أنَّ السابَّ يُهدر دمه، ويستحق القتل، لكن إذا جاء تائبًا نادمًا قبل القُدرة عليه فلا مانع من قبول توبته؛ لقصة عبدالله بن سعد بن أبي سرح، وقصة أبي سفيان ابن الحارث بن عبدالمطلب -ابن عم النبي ﷺ.
أما المغول فهو بالغين المهملة كما نبَّه على ذلك صاحبُ "النهاية"، وشارح أبي داود أيضًا، والمغول: سيفٌ صغيرٌ يجعله الإنسانُ تحت ثيابه، ويغتال به الناس، ويُسميه بعضُ الناس الآن: سني، سيف صغير يُقال له: المغول، يعني: يغتال به.
أما المعول: فهو سلاح كبيرٌ عظيمٌ ..... يضرب به الحجر، وتكسر به الحجارة، يُقال له: معول، وقد أشكل على الشارح، وضبطه بالعين، والصواب أنه بالغين المهملة، وهو الذي يغتال به الناس، سيفٌ صغيرٌ يغتال به الناس -نسأل الله العافية.
الأسئلة:
س: دلَّت شفاعةُ عثمان على أنَّ النبي ﷺ لو لم يشفع عثمان لقتل عبدالله بن سعد بن أبي سرح؟
ج: شفع عثمان، وهو جاء تائبًا معه، جاء تائبًا نادمًا، فدلَّ على أنَّ مَن جاء تائبًا نادمًا قبل القُدرة عليه لا بأس أن تُقبل توبته.
س: ولولا لقتله النبي؟
ج: ولو ما شفع فيه أحد، أبو سفيان ما شفع له أحدٌ، جاء بنفسه.
س: الرسول أشار على بعض أصحابه في قتل عبدالله ابن السرح عندما ..؟
ج: لا، أشار لهم بالعين، لكن عفى عنه عليه الصلاة والسلام.
س: وهذا صحَّ عن الرسول؟
ج: فيه نظر، في سنده الشيخ ..... صحَّحه رحمه الله في "الصارم المسلول"، وبكل حالٍ فالنبي عفا عنه ﷺ.
س: قول النبي ﷺ: مَن بدَّل دينه فاقتلوه، وقصة معاذ مع أبي موسى ما فيها استتابة؟
ج: روى أبو داود أنه استُتيب، روى أنه استتابه.
س: وهل الصحابة سواء في السَّبِّ؟
ج: المعروف عند العلماء أنَّ مَن سبَّهم يُقتل، إذا سبَّ الصحابة على العموم يُقتل، مُرتدٌّ عن الإسلام، ما يسبُّهم إلا وهو قادحٌ في دينهم، وهم النَّقلة الذين نقلوا لنا الدِّينَ كله، هم النَّقلة للدِّين، إذا سبَّهم أيش يبقى عند المسلمين؟!
س: وإن تاب قبل أن يُقدر عليه؟
ج: هذا ..... محل نظرٍ.
س: وهل الصحابة سواء؟
ج: كلهم عدول رضي الله عنهم.
س: بعد أن يُقدر عليه؟
ج: إذا سبَّ واحدًا يُعزَّر ويُؤَدَّب.
س: إذا سبَّ واحدًا أو اثنين؟
ج: يُعذَّب.
س: بعد أن يُقدر عليه ما يُقام عليه الحدُّ إذا جاء تائبًا نادمًا بعد أن قُدر عليه؟
ج: يعني: إذا جاء تائبًا نادمًا يُقبل، هذا الصواب، كل الذين أسلموا أكثرهم يسبُّوا الصحابة، ويسبوا النبي.
س: مَن سبَّ الرسول بعد وفاته ألا يُعفى عنه؟
ج: يُقتل.
س: لو كان تائبًا؟
ج: إذا جاء تائبًا قبل القُدرة عليه نقبل منه، أما إذا قدرنا عليه قَبْل فإنه يستحق القتل؛ لأنها جريمة عظيمة -نعوذ بالله.
س: يُقال: إنه حقٌّ للرسول ﷺ فلا يدري؟
ج: حقه علينا أن نُنفِّذ، هذا حقُّه علينا؛ أن نحمي عِرضه عليه الصلاة والسلام.
س: ..... وأظهر النَّدم والتوبة؟
ج: قبل أن يصل إلينا، قبل أن نقدر عليه لا بأس.
س: وبعد أن قدرنا؟
ج: لا، لكن قبل .....
س: أيضًا سبّ الصحابة بعد موته كذلك؟
ج: نعم، يُقتل صاحبه ردَّةً.
س: يُقال من العلماء في التَّفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي: بعض الناس يقول: إن سبَّ الدين وسبَّ الله يعني إذا صدر عن اعتقادٍ يكون كفرًا أكبر، إذا كان عمليًّا فصار أصغر؟
ج: هذا كلامٌ باطلٌ، كلام باطل، الفرق باطل، سبُّ الدِّين مُطلقًا ردَّة عن الإسلام، سواء قال الإنسان واعتقد، أو ما اعتقد، ما دام سبّ وجب القتل، وحُكم بكفره.
س: إذا سبَّ العلماء كافَّة ..... المسلمين هل يُعزر؟
ج: يستحق التَّعزير.
س: رجلٌ مُقيم في الرياض، سافر إلى مكة، وصلى الجمعة في الحرم، وعزم العودة إلى الرياض، فهل يجوز له الجمع والقصر بالعصر؟
ج: لا، العصر في وقتها، يوم الجمعة لا تُجمع العصر مع الجمعة، لا تجمع.
س: سبب شفاعته؟
ج: لأنه أخوه من الرضاعة، وجاء تائبًا نادمًا.
س: إيه، عشان هو أخوه من الرَّضاع.
ج: وهو تائب نادم، جاء تائبًا نادمًا قبل القُدرة عليه؛ لأنَّ عثمان يرى أنَّ هذا مناسب.
س: ..... لأجل الصِّلة التي بينهما؟
ج: هذه القوة الإيمانية، وأمه أرضعت عثمان.