والله يقول سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] هذه عامة وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ في الحرمين في نجد في اليمن في الشام في الأردن في أفريقيا في أمريكا في إنجلترا أو في أي مكان بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فالمسلم الذي في أمريكا أخ لك، وأنت هنا وأخ للذي في صنعاء، والذي في عمان والذي في دمشق والذي في بغداد والذي في غير ذلك هو أخ لك، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، إذا تحققت هذه الولاية استقامت الأمور، إذا عرفت أنه وليك وصدقت في ذلك تحب له الخير وتكره له الشر، لا تخونه، ولا تنم عليه، ولا تغتابه، ولا تكذب عليه، ولا تشهد عليه بالزور، ولا تظلمه في دمه ولا في ماله ولا في عرضه، هذا أخوك، استقمت الآن واستقام أمرك واستقام أمر أخيك معك، وقبل منك الأمر والنهي والنصيحة، إذا عرف منك النصح، أما إذا عرف منك أنك تخونه وتشهد عليه بالزور وتسبه وتنصب له العداوة لأمر طفيف من الدنيا أو لأسباب أخرى كيف يقبله منك؟ كيف يهتدي بنصيحتك؟ كيف يقبل منك الأمر والنهي؟ لكن متى عرف منك النصح وأنك أخوه تحب له الخير وتكره له الشر لا تظلمه ولا تخونه ولا تدعي عليه بالباطل ولا تشهد عليه بالزور إلى غير هذا من الأخلاق الفاضلة التي تقتضيها الولاية حينئذ يقبله منك، وينتفع بك، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] يفسر هذا المعنى ويوضحه قول النبي ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه. هكذا رواه الشيخان في الصحيحين.
المؤمن للمؤمن كالبنيان، وأنتم تعرفون البنيان، هذا فوق هذا يمسك بعضه بعضًا، طوابق بعضها فوق بعض، أمسك أسفلها أعلاها ولو سقط الأسفل لسقطت، هكذا المؤمنون يشد بعضهم أزر بعض، ويقوي بعضهم بعضًا، وهم يد على من سواهم، يحب كل واحد لأخيه الخير ويكره له الشر، يعينه على الخير ويعينه على ترك الشر، ينصح له إن شهد أو غاب، يأمره بالمعروف ينهاه عن المنكر، يفعل كل خير ينفعه مهما استطاع.
وفي الحديث الثاني يقول عليه الصلاة والسلام: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى رواه الشيخان أيضًا في الصحيحين.
فعليك يا أخي أن تعرف هذا المعنى وتحققه، ما هو مجرد حفظ أنك تحفظ الحديث لا، المقصود العمل، المقصود أنك تعمل، تعمل بهذا الحديث مع أخيك الذي في صنعاء، ومع أخيك الذي في بغداد، ومع أخيك في دمشق، والذي في عمان، والذي في أفريقيا على طول وعرضها، والذي في أوروبا، والذي في أمريكا، مهما استطعت بالمكاتبة بغير ذلك بكل ما تستطيع؛ لأنه أخوك، تحب له الخير وتكره له الشر أينما كنت، هكذا تكون الإخوة، وهكذا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن محبة، عن صدق، عن ولاية، لا عن انتقام، تأمره بالمعروف تؤذيه؛ لأن في نفسك عليه شيئًا، وتفضحه لأن في نفسك عليه شيئًا، تستره إذا وجدته على معصية أسرها في بيته في محل مستور تنصحه وتأمره وتستر عليه، لعله يتوب فيتوب الله عليه، يقول النبي ﷺ: من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ويقول الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور:19]، فلا تحب أن تشيع الفاحشة، لا تحب أنت أن تشيعها بل متى سترتها فأنت على خير عظيم، تنصحه وتوجه إلى الخير وتحذره من العود إلى هذه العثرة التي اطلعت فيها في بيت فلان أو في بيت فلان حتى لا يعود إن شاء الله، فإنه سيتأثر بالنصيحة والستر، أما المعلنون فقد فضحوا أنفسهم كما قال النبي ﷺ: كل أمتي معافى إلا المجاهرين من جاهر بالمعاصي فقد فضح نفسه، لا حيلة فيه إلا أن يقام عليه أمر الله، لكن من أسر المعصية وأخفاها واطلعت أنت عليها وعثرت عليه لأسباب اقتضت ذلك فانصح له، واستر عليه، ولا تفضحه ما دامت العثرة مرة أو مرتين لم يتجرأ على المعاصي، ويستكثر منها، بل عثرت عليه مرة أو مرتين اصبر عليه، وانصح له، وقل: لا تعد وإلا فعلت وفعلت، لعل الله يهديه بأسبابك، لعل الله ينقذه من طاعة الشيطان.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.