وقد رفع الله شأن الذكر، وعظمه في كتابه العظيم حيث قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِير وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:41-43]، ويقول جل وعلا: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]، ويقول : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190]، أولوا الألباب هم أهل العقول، الألباب: جمع لب، هم أهل العقول السليمة الصحيحة، ومن صلاح عقولهم ومن طيب عقولهم ومن كمال عقولهم إكثارهم لذكر الله، ولهذا قال بعد ذلك: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا [آل عمران:191]، فوصف أولي الألباب بأنهم يكثرون من ذكر الله جل وعلا، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].
ثم مع ذكرهم باللسان عندهم تفكير وعندهم عناية بالقلوب، فاللسان مطلق بالذكر، والجوارح معمورة بالذكر، والقلوب معمورة بالذكر، فهم يتفكرون بما أعطاهم الله من القلوب في خلق السماوات والأرض، يعني بمخلوقات الله، ويرون فيها العجب العجاب، والآيات الباهرات والدلالات على عظمة الله سبحانه وتعالى، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق لأن يعبد ويعظم ويؤدى أمره، وينتهي عن نهيه، ويوقف عند حدوده ، رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران:191] أي: إنما خلقته للحق وبالحق.