وقد عرفتم في المحاضرة أن العصمة بتوفيق الله لمن اتبع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا هو الطريق، وهذا السبيل ليس اتباع آراء فلان وفلان، وإنما السبيل للسعادة والنجاة والعصمة والعافية اتباع نبي الله ﷺ بما جاء به من الكتاب والسنة كما قال جل وعلا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3]، وقال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:7]، وقال : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، الله أمر بهذا.
قُلْ يعني قل: يا أيها الرسول للناس يا محمد للناس إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ يعني صادقين فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، فدل على أن طريق محبة الله وطريق النجاة هو اتباع محمد عليه الصلاة والسلام، هذا هو الطريق، والدليل على أنك صادق في حب الله، من كان يحب الله صادقًا فليحقق ذلك باتباع النبي عليه الصلاة والسلام، كل دعوى لها دليل قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111]، لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي، فمن ادعى محبة الله فعليه باتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام، إن كان صادقًا في أقواله وأفعاله، فيما يأتي ويذر ولا يحدث في الدين ما لم يأذن به الله، لا يأتي بشيء جديد، الله يقول سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، فإذا كان الدين قد كمل فلماذا الزيادة؟ وكيف تجوز الزيادة؟ أنحن أعلم؟ أم الله؟ فالله سبحانه أعلم بمصالح عباده، ورسوله أعلم بذلك بعده؛ لأنه مبلغ عن الله، ومعلم من الله ، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فيكفينا ما جاء به عليه الصلاة والسلام، كما قال : أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت:51]، هو كافي كتاب الله، وما جاء من السنة كاف للعباد في معاشهم ومعادهم في عباداتهم وفي معاملاتهم في كل شيء.
ثم حذر من ذلك أيضًا في آيات أخرى قال سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153] هذه الآية العظيمة جامعة بين فيها سبحانه أن صراطه مستقيم واضح، وهو عبادته وحده، واتباع ما جاء به نبيه ﷺ من الأوامر والنواهي، هذا صراط الله المستقيم ما دل عليه كتاب الله العظيم وما دلت عليه سنة رسوله الله الصحيحة، هذا هو صراط الله، وهذا هو سبيل الله، وهذا هو الهدى والعلم، وهذا هو الطريق القويم، وهذا هو الموصل إلى الله وإلى جنته وكرامته، وما حاد عن ذلك من أقوال أو أعمال أو عقائد، فهو من السبل التي حذر الله منها وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153]، وهي البدع والشهوات والشبهات المضللة هي سبل يدعو إليها الشيطان، ولهذا قال: فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] يعني تميل بكم وتصدكم عن سبيله.
فالسبل تصد الناس عن طريق الحق، وإذا اجتمع الناس في الطريق الواحد تمت لهم السعادة، والطريق الواحد هو المنهج القويم، وهو طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام هو طريق نبينا محمد ﷺ، وهو طريق أصحابه وأتباعهم بإحسان، وهو توحيد الله وأداء أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، والمحبة في ذلك، والموالاة في ذلك، والبغضاء والمعاداة في ذلك، هذا هو سبيل الله، وهذا هو صراط الله، وأنت تقرأ سورة الفاتحة الحمد اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، فأنت تطلب من ربك في كل صلاة في كل ركعة تقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا الصراط المستقيم هو دين الله، هو الإسلام، هو الهدى، هو ما بعث الله به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام من العلم والعمل من العلم النافع والعلم الصالح، أنت تطلب ربك أن يهديك هذا الصراط، يعني: وفقك له ويثبتك عليه، وأن يفقهك فيه حتى تعلمه على بصيرة.