ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9]، فبين سبحانه أن من لهى عن ذكر الله خسر الدنيا والآخرة، وذكر الله يشمل كل ما أمر به جل وعلا، كل ما دعا إليه من قول وعمل، وإن شغل عن ذكر الله يعني عن طاعة الله عن الصلاة عن الزكاة عن التوحيد عن القيام بأمر الله عن ترك محارم الله من شغل عن ذلك بحظوظه العاجلة ودنياه خسر الدنيا والآخرة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9] يعني: لا ....... تشتغلوا بالتجارات وأنواع المكاسب، أو بما يتعلق بالأولاد ومحادثتهم، أو تطلب رضاهم، أو السعي لهم فيما يريدون، أو غير هذا من أحوال الأولاد ومطالبهم من شغل بهذا أو هذا عن ذكر الله فهو خاسر.
بعض الناس وهم الأكثرون شغلوا بالدنيا والأولاد عن حظهم من الآية فصارت البهائم خيرًا منهم قال : أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ [الفرقان:44] يعني: لا سمع ولا يعقل، لا سمع نفعهم ولا عقل نفعهم، نسأل الله العافية، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ [الفرقان:44]، كالبقر والإبل والغنم ما عندها شغل إلا حاجاتها الأكل والشراب إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، فالله لم يرض أنهم كالأنعام بل زاد على ذلك أنهم أضل من الأنعام وأتفه وأردى، الأنعام ما لها عقول تنفعها النفع الكامل، أما هؤلاء لهم عقول يستطيعون بها إيثار الآخرة، ويستطيعون بها تقديم ما ينفعهم، يستطيعون بها طاعة ربهم، عندهم فهم وعقل لكن لم تغن عنهم تلك العقول والأفهام حتى قالوا في النار وهم في النار كما ذكر الله عنهم: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10-11]، وقال : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
فلا يجوز للعاقل ولا ينبغي له أبدًا أن يشابه هذه الأنعام، بل يجب أن يرفع نفسه عن ذلك، وأن يكون فوق ذلك، وأن ينشغل بما ينفعه في الدنيا والآخرة، وأن يحرك هذا اللسان وهذا القلب وهذه الجوارح بطاعة ربه وذكره، وذكر الله لا يمنعه من حاجات الدنيا، تذكر الله وأنت في البيع والشراء، تذكر الله وأنت في كل حاجة في عمل في زراعتك في تجارتك في بيتك مع أولادك في كل وقت هو ميسر لك بحمد الله بقلبك ولسانك، وإذا جاء وقت العمل بادرت إلى العمل الذي أوجبه الله عليك من صلاة وغيرها.
فعلى المؤمن عندما يتذكر حق الله عليه وعندما يتبصر في خطر الغفلة ينشط قلبه بذكر الله، وينطلق لسانه وتنطلق جوارحه، ومتى غفل انتبه فذكر الله عز وجل وسارع إلى الخيرات وابتعد عن السيئات، والإنسان تعتريه الغفلات، والشيطان حريص عليه لكن يجب عليه أن يحذر، وأن يبادر إلى طاعة الله ورسوله، وأن يبتعد عن أسباب الغفلة غاية جهده، ومتى صدق في ذلك أعانه الله ويسر أمره، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، فمن صدق يسر الله له كل خير، وقد سمعتم قوله جل وعلا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، هذه أنواع أهل الإيمان، هذه أنواعهم وصفاتهم، إسلام وإيمان، وقنوت دوام في الطاعة، مع الصدق، مع الصبر، مع الخشوع، مع الصدقة، مع الصوم، مع حفظ الفرج، مع ذكر الله بقولك وعملك، وإذا كان الإنسان إذا شغل بماله وولده عن ذكر الله خسر فكيف بالذي يشغل بمعاصيه عن ذكر الله؟ كيف بمن يشغل بالملاهي والمعاصي والغيبة والنميمة؟ كيف تكون حاله؟ إذا كان المشغول بالتجارة التي أباحها الله أو مشغول بأولاده في أمور تتعلق بحاجاتهم يشغل بهم عن طاعة الله مع هذا يكون خاسرًا فكيف بالذي يشغل بما حرم الله عما أوجب الله؟ يشغل بالملاهي والأغاني والغيبة والنميمة واللعب الفارغ وغير ذلك، حتى يسهر على ذلك، وحتى يضيع صلاة الفجر، وحتى يضيع الصلوات، وحتى يضيع فروضًا كثيرة، كل ذلك بما حرم الله لا بما شرع الله، فالأمر عظيم وخطير.