الإيمان بالملائكة

وهكذا الإيمان بالملائكة كما سمعتم، الإيمان بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله، فلا بد من الإيمان بملائكة الله، وأنهم عباد مكرمون خلقهم الله من النور، كما في الحديث الصحيح: خلقت الملائكة من النور، وخلق آدم مما وصف لكم من الطين، وخلق الشيطان من مارج من نار، فالله خلق آدم من الطين، وخلق الشيطان من مارج من نار، وخلق الملائكة من النور، وأصلهم نور عليهم الصلاة والسلام، وهم مطيعون لله كما قال جل وعلا: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ۝ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:26-28]، وقال في النار: عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

المقصود أن الإيمان بأنهم خلق من خلق الله، خلقهم الله من النور، وهم في طاعته سبحانه، والقيام بحقه، وتنفيذ أوامره جل وعلا، هذا حق يجب الإيمان بحق الملائكة، ومنهم من سمعتم منهم جبرائيل، ومنهم ميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، وخازن النار، وخازن الجنة إلى غير ذلك، وحملة العرش إلى غير ذلك من عددهم العظيم الذي لا يعلمه سواه سبحانه وتعالى، وصح في الحديث عنه عليه السلام أنه قال: إنه يدخل البيت المعمور في السماء السابعة، وهو بيت العبادة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه، يدخلون سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه للعبادة، كل يوم سبعون ألف ملك غير الذي دخله في الأيام السابقة، وهكذا من بعدهم هذا يدل على كثرتهم العظيمة، وأنه لا يعلم عددهم سواه سبحانه وتعالى، وهكذا الإيمان، وأما قول بعض الأئمة في العقيدة أنهم لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة فهذا، أما وصفهم بالأنوثة فهذا منكر وكفر وضلال، وقد أنكره الله على المشركين، وقال سبحانه رادًا عليهم: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19].

وأما وصفهم بالذكورة فقد وصفهم الله بذلك في جميع الآيات التي ساقها في كتابه العظيم في شأن الملائكة، وصفهم بالذكورة لا بصفات الإناث، ولهذا أنكر على المشركين وصفهم بصفات الإناث، وجاء من جاء منهم في تشكله في صور الرجال، كما جاء جبرائيل حين يسأل بصورة رجل أعرابي، عليه ثياب بيض، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه من الصحابة أحد، فيه بياض الثياب، فيه سواد الشعر، وهكذا لما جاء يوم بدر، وهكذا جاءت الملائكة، المقصود أنهم يتشكلون في صور الذكور في صور الرجال، وهكذا جاء في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وجاء في صورة عروة بن مسعود، المقصود أنهم يأتون ويتشكلون بصور الرجال لا بصور النساء، وهم موصوفون بصفات الرجال، بصفات الذكورة لا بصفات الإناث، ولكن لا يعلم كيفية خلقهم وصفة خلقهم وحقيقة خلقهم إلا هو سبحانه وتعالى، فتفصيل خلقهم وما هم عليه هو الله الذي يعلمه .

وهم أقسام كما قال جل وعلا: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1]، ونفس جبرائيل له ستمائة جناح، خلقته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، كل جناح منها مد البصر، وإذا أراد الله يأتي بصورة إنسان جاء في صورة إنسان، فالله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، ولا يعلم عظم خلقهم وقوتهم ومقدار ذلك إلا الذي خلقهم ، فهو الخلاق العليم العالم بأحوالهم وقوتهم ، وما جعل فيهم من القوة التي خصهم بها سبحانه وتعالى، فنفس جبرائيل قلب مدائن قوم لوط بنفسه، جعل عاليها سافلها.

المقصود أن الملائكة جند من جنود الله، وخلق من خلق الله، خلقهم الله من النور، وهم في طاعته، وفي تنفيذ أوامره، لا يعصون أمره عليهم الصلاة والسلام، وهم أنواع وأقسام، منهم من هو موكل بالعرش محاط بالعرش، ومنهم حملة العرش، ومنهم من موكل بالجنة، ومنهم من موكل بالنار، ومنهم موكل بنا من يكتب الحسنات ويكتب السيئات إلى غير ذلك، ومنهم سياحون في الأرض يلتمسون مواضع الذكر، ويحضرون حلقات الذكر مع العباد، ثم يصعدون إلى ربهم ، ومنهم من يتعاقب فينا، ويجتمع في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يصعد الذين باتوا فينا بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، يصعد الذين قاموا في النهار، ويبقى الذين نزلوا للقيام في الليل للبقاء في الليل، هذا كله مما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام.