أقسام الطلاق وأحواله

أما ما يتعلق بشرعية الطلاق ومحرمه ومكروهه فقد سمعتم ما ذكر المشايخ في الندوة، فإن الطلاق على أقسام خمسة: مباح تارة، ويستحب أخرى، ويحرم في حال، ويكره في حال، ويجب في حال، فهو ذو أحوال، فإذا كانت الحال مستقيمة فلا ينبغي الطلاق ويكره الطلاق ولا حاجة إليه، قال النبي ﷺ: أبغض الحلال الطلاق، وهو حديث جيد لا بأس به، فإذا كانت الحال مستقيمة فلا ينبغي للزوج الطلاق من أجل التذوق والتنقل من زوجة إلى زوجة، بل ينبغي له أن يمسك المرأة التي يسر الله له أنها صالحة، وأنها مستقيمة، يبقى معها ولا حرج عليه أن يتزوج ثانية، وثالثة، ورابعة، إذا استطاع ذلك، واستطاع أن يعدل، الله يقول جل وعلا: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، فإن في هذه الأيام في حاجات خبيثة ضد التعدد من النساء وأشباه النساء، وهذا منكر عظيم، ومن أعداء الله، ومن الكفرة، فالله أباح التعدد لكن بشرطه أن يعدل، وأن يتحرى العدل، وأن يكون قويًا على ذلك.

المقصود أن المؤمن عليه أن يعتني بالزوجة التي يسر الله له أنها صالحة، وأنها مناسبة له، ولا يتساهل في أمرها، ولا يعجل في طلاقها، بل يحمد الله ويشكره أن من عليه بها، ويعاونها على مهمات البيت، وعلى مهمات الأولاد، ويخاطبها بالتي هي أحسن، ويقدرها، ولا يحتقرها، ويعرف لها فضلها وحقها، يقول الله جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ويقول سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].

كثير من الرجال يريد هذه الدرجة فقط، ولا يبالي بالمرأة، الدرجة كله لها، وهذا من الخطأ والظلم، بل يعرف لها قدرها، ويعرف لها حقها، ويحسن إليها، ويبش في وجهها، ويعينها على مهمات البيت، ويساعدها على كل خير، ويشكرها على أعمالها الطيبة، ولا يريد منها كل شيء، بل يريد منها المستطاع، ويطلب منها المستطاع بالكلام الطيب وطيب العشرة وحسن الكلام، لا بالسب والشتم والعيب والاحتقار، هذا كله مما يسبب الفراق والاختلاف، أما الكلام الطيب والشكر على الجميل وإعانتها على الخير والبشاشة في وجهها وشكرها على ما فعلت من الخير فهذا هو الذي يسبب البقاء، ويسبب الاستقامة، ويسبب طيب العيش بينهما، وحسن الحال بينهما.

الحال الثانية: أن يكون هنا بعض الضرر؛ لأنها لم تناسبه، وهو يبغضها، أو لأنها تتعاطى أمورًا غير طيبة، نصحها ووجهها فلم تمتثل ولم تفعل، فعند ذلك يستحب له طلاقها، أو يجب على حسب حالها إن كان الضرر كبيرًا وعظيمًا، قد يجب الطلاق، وإن كان الضرر خفيفًا كفى الاستحباب، واستمتع بها، وجاهدها حتى تستقيم، ويزول ما فيها من عيوب ونقص في البيت أو في التجمل له أو في النظافة أو ما أشبه ذلك، ينبغي له أن يتساهل في هذه الأمور، ولا تكون موجبة للطلاق مادامت في حقه وفي شؤونه الخاصة، ولكن يوجهها ويعتني بها ويرشدها إلى الخير، أو يوصي أمه وأخته ونحو ذلك بأن يرشدوها ويوجهوها إلى غير ذلك، أما إذا كان الضرر في الدين ونقص في دينها وخلل في دينها ويخشى أن يقلدها أولادها في تساهلها في بعض أمور الدين فهذا هو محل النظر قد يستحب وقد يجب.

الثالث: وجوب الطلاق وهي في مسألة الإيلاء كما سمعتم إذا آلى منها، حلف ألا يطأها، وألا يتصل بها فإنه...... أربعة أشهر كما قال الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، فهذا يؤجل، وبعد مضي المدة إن طالبته .......، وإن  سمحت فلا بأس، هي بالخيار إن طالبت ورفعت أمرها إلى ولي الأمر أو إليه هو وقالت: إما أن تفي وإما أن تتطلق، فيلزمه ذلك، ولا ينبغي إخراجها إلى المحكمة ولا إلى الأمراء بل يجب عليه أن يوفي ذمته، فإما أن يفي وإما أن يطلق، أما يجعلها معلقة لا ذات زوج ولا مطلقة بل يتركها ولا يتصل بها هذا منكر لا يجوز.

أما الأربعة الأشهر فله المهلة في ذلك، لله الحكمة في ذلك، حتى ينظر، حتى يتأمل، ولعلها تعتدل هي في أخلاقها وسيرتها، لكن بعد مدة الأربعة الأشهر ليس له بعد ذلك الاستمرار إذا لم تسمح، أما إن قالت: لا بأس وسامحت ولم تطالب فلا بأس بهذا، لكن الأولى به والأفضل له أن يبادر ....... الفيئة، وأن يرجع إلى اتصاله بها، وتعجيل ما قد يعجل منها من النصيحة والتوجيه حتى تستقيم الحال، وتستمر العشرة بينهما على خير حال، فإن لم يفعل فلها أن تطالب بالطلاق، إما في الفيئة وإما بالطلاق بعد الأربعة أشهر، وهذا الطلاق واجب عليه، إذا لم يف يجب عليه أن يطلق؛ لأن الله أمهله أربعة أشهر قال سبحانه: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].

الحال الرابعة: تحريم الطلاق؛ لأنه قد يحرم عليه الطلاق في حالات: في حالة الطهر الذي جامعها فيه، في حالة الحيض، في حالة النفاس، هذه ثلاث حالات ليس له الطلاق فيها، يحرم عليه حال كونها حائضًا، حال كونها نفساء، حال كونها في طهر جامعها فيه، فهذه الحالات الثلاث يحرم الطلاق فيها، لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر  رضي الله عنهما أن النبي ﷺ أنكر عليه لما طلق في الحيض، وأمر الزوج أن يطلق المرأة في طهر لم يمسها فيه، قال: فإذا طهرت يعني من الحيضة الثانية ....... طلقها فيها، قال: فإذا طهرت فليطلق أو فليمسك قبل أن يمسها، وفي اللفظ الآخر: فليطلقها طاهرًا أو حاملًا، فالطلاق في حالين: إما في حال الطهر قبل المسيس قبل أن يجامعها إذا طهرت من نفاسها أو من حيضها، أو طلقها قبل أن يجامعها، أو في حال الحمل يطلقها وهي حامل لا بأس عند العامة، طلاق الحامل لا يجوز هذا من جهلهم الطلاق يكون في حمل أو يكون في حال الطهر قبل المسيس، ويحرم الطلاق في ثلاث حالات: حال الحيض، وفي حال النفاس، وفي حال طهر جامعها فيه، هذه الأحوال الثلاث لا يطلق فيها، وهذا من حكمة الشارع، ومن محاسن الشريعة، فإن الزوج إذا منع الطلاق في هذه الحالات الثلاث استمر النكاح في الغالب، وقل الطلاق جدًا، فإن المرأة قد تكون حائضًا فلا يطلق، نفساء فلا يطلق، وإذا طهرت من حيضها اشتاق إليها وتاق إلى جماعها ولم ير الطلاق في هذه الحالة، فإذا جامعها حرم عليه الطلاق بعد ذلك حتى تحيض وتطهر، فعند هذا يقل الطلاق .......، وهذا هو مقصود الشارع أن يقل الطلاق ....... بين الزوجين.

أما هل يقع الطلاق؟ أو ما يقع؟ هذا شيء آخر، المقصود أنه يحرم الطلاق في الحيض والنفاس وفي طهر جامعها فيه، فعند الجمهور مع تحريمه يقع الطلاق، وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يقع، لأنه طلاق غير شرعي ولا يقع عليه......؛ لأن الله حرم ذلك ومنع ذلك، فيكون غير شرعي وغير واقع، وبه قال جمع من أهل العلم.

وكذلك حال الغضب والجنون والعته ونحو ذلك فلا بد أن يكون الزوج حين الطلاق صالحًا للطلاق عاقلًا بالغًا قد يعرف الطلاق ويفهم أنه يفرق بينه وبين زوجه، فإذا كان مكرهًا أو معتوهًا أو مجنونًا أو اشتد به الغضب حتى ضيع وصار أشبه بالمجانين فلا طلاق لهؤلاء، لا طلاق للمعتوه ولا لمجنون في حال جنونه، ولا لمن اشتد به الغضب حتى صار كالمجانين لا يعقل ولا يفهم، وكذلك المكره الذي أجبر على الطلاق بالضرب أو بالوعيد الشديد ممن يظن أنه يوقع به ذلك، فهذا لا يقع منه الطلاق؛ لأن الكفر لا يقع الكفر الذي هو أعظم الذنوب لا يقع من المكره، إذا طلق بسبب الإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان فهكذا المكره على الطلاق لا يقع طلاقه، لقوله ﷺ: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق، والإغلاق هو الغضب الشديد الذي يغير عليه شعوره ويمنعه من ضبط الأمور ومن تعقل ...... الطلاق، وكذلك الإكراه الذي قد يقع عليه من زوجته أو من غيره.

 فينبغي للمؤمن أن يتحرى هذه الأمور وأن يحذر الأحوال التي تسبب وقوع الطلاق منه بغير شعور ...... إذا غضب يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقوم يتوضأ، ويصلي ركعتين، يخرج من البيت يشتغل بشيء آخر حتى لا يغلبه الشيطان، حتى لا يقع الطلاق.

وسمعتم قول النبي ﷺ: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب فينبغي للمؤمن عند الغضب أن يتباعد عن الأعمال والكلام، بل يشتغل بشيء آخر من وضوء أو خروج من البيت أو غير ذلك من الأشياء التي تشغله عن الطلاق وعن تنفيذه بمقتضى الغضب.

رزق الله الجميع التوفيق والهداية.