الحث على التفقه والتبصر في الدين

فالأمور خطيرة وعظيمة -ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولا سيما في هذا العصر الذي اشتدت فيه غربة الإسلام، وكثر فيه الجهل، وقل فيه العلم مع كثرة المدارس والمعاهد وغير ذلك، ولكن العلم الشرعي مع هذا كله قليل، والبصيرة في الدين قليلة مع هذه المدارس والمعاهد والصحف والإذاعات وغير ذلك، فالبصيرة في الدين والعلم الشرعي قليل في الناس مع كثرة هذه الأشياء التي يسمونها علمًا ويسمونها ثقائف، فالواجب على المؤمن أن يتفقه في الدين، وأن يتبصر، وهذا كتاب الله بين أيدينا والحمد لله، وهذه سنة الرسول بين أيدينا والحمد لله، هما الأصلان من تمسك بهما واستقام عليهما نجا، ومن حاد عنهما هلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، فهذا معناه أن الإنسان الذي يعرض عن الدين ولا يتفقه أن الله ما أراد به خيرًا، فإن الذي يعرض ليس همه إلا شهوات بطنه وفرجه وعمائره أو أصحابه والخوض معهم بالقيل والقال، يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، فهذه علامة أن الله جل وعلا ما أراد به خيرًا، فإذا أعرض عن دين الله لا يتعلم ولا يعمل صار مع الهالكين، مع الكافرين، نسأل الله العافية، هذا من نواقض الإسلام الإعراض عن دين الله لا يعلمه ولا يتعلمه ولا يعمل به هذا من نواقض الإسلام نعوذ بالله، وقال النبي ﷺ: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، فالتعلم والتفقه في الدين من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، والرسل بعثوا لهذا الأمر، بعثوا ليفقهوا الناس، وليعلموا الناس، وليخرجوهم من الظلمات إلى النور، والعلماء هم أتباعهم، هم خلفاؤهم، عليهم أن يفقهوا الناس بما جاءت به الرسل، وخصوصًا ما جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام محمد؛ لأنه رسول هذه الأمة عليه الصلاة والسلام، والواجب عليها اتباع ما جاء به والأخذ من شريعته، فالعلماء عليهم أن يفقهوا ويعلموا، وعلى كل فرد من المكلفين من كل جنس أن يتعلموا ويتفقهوا في الدين، وأن يقبلوا ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من الهدى، فيعملوا بالأوامر، وينتهوا عن النواهي، ويقفوا عند حدود الله، والغاية من اتباع الرسول ﷺ في الدنيا الخروج من الظلمات إلى النور، والبصيرة بأن يكون على بينة من أمر الله، وعلى بينة مما نهى الله عنه، والغاية الآخرة دخول الجنة والنجاة من النار، فالغاية في الدنيا الخروج من الظلمات إلى النور، والبصيرة، يعني يوفق حتى يكون في النور، والنور هو ما جاء به النبي ﷺ من الهدى، كونه يعرف شرائع الله وأحكامه هذا من النور، وكونه على بصيرة على توحيد الله وإخلاص لله وعلم بشرائعه وعمل بذلك هذا هو النور.

فالرسل جاءت لإخراج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك والبدع والأهواء إلى نور العلم والإيمان والهدى والتوحيد والإخلاص وطاعة الله ورسوله، ثم بعد هذه الغاية في الدنيا -وهي الخروج من الظلمات إلى النور- بعد ذلك السعادة الأبدية في الآخرة، والنجاة من النار، والفوز بالجنات والكرامات في جوار الرب الكريم، مع النظر إلى وجهه ، هذه الغاية العظيمة في الدنيا والآخرة لمن تابع الرسل، واستقام على دينهم، وأخذ بما جاءوا به، ولاسيما خاتمهم وإمامهم عليه الصلاة والسلام نبينا عليه الصلاة والسلام.

فعلينا معشر أمة محمد ﷺ أن نتفقه في ديننا، وأن نتبصر فيما جاء به نبينا من الكتاب والسنة، وأن نعمل بذلك، نخلص لله أعمالنا، نعبده وحده، وندعوه وحده، ونعبده وحده، ونطيع أوامره، وننتهي عن نواهيه، نريد وجهه الكريم، نريد ما عنده من الثواب والسلامة مما عنده من العقاب ، لا يفعلها رياء ولا سمعة، ولا لأجل الدنيا لا، ولكن نعبده خالصًا لله قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [يوسف:108] أي لا إلى غيره وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، هكذا يكون المؤمن في جميع تصرفاته يعمل لله ويخلص لله عبادته، ويطيع أوامره، وينتهي عن نواهيه، ويدعو إليه سبحانه لا إلى مذهب خاص، لا إلى رأي خاص، لا إلى أمة خاصة، لا إلى شعب خاص، لا إلى ملك خاص، لا إلى غير ذلك، بل يدعو الناس إلى الله، إلى دين الله، إلى عبادة الله وحده، إلى طاعة أوامره، وترك نواهيه ، ويتمسك بشريعته حتى يموت على ذلك.

ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم الثبات على الحق، والعافية من مضلات الفتن.