بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الدكتور صالح الفوزان، والدكتور محمد بن أحمد بن صالح، وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، في موضوع عظيم وموضوع له شأنه، وهو موضوع أسباب الطلاق وأحكامه وآثاره، عرفتم وسمعتم ما قاله المشايخ في هذا الموضوع، وقد أجادوا وأفادوا وأوسعوا الكلام، جزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، وسمعتم أيضًا ما كمل به صاحب الفضيلة الدكتور محمد بن أحمد بن صالح فيما يتعلق بأسباب عزوف الرجل عن المرأة، وما يقع من التبعة المعروفة من الشر الكثير، وهكذا في السفر إلى الخارج الذي يسميه بعض الناس شهر العسل، وهذا الذي قاله فضيلة الشيخ محمد بن أحمد بن صالح لا شك أنه خطير جدًا، وقد أحسن فيما قال، وهكذا ما يتعلق بالمتعة فإنها حق قرره القرآن وبينه القرآن وبينته السنة، وفيه جبر للمرأة المطلقة والإحسان إليها، وتخفيف لمصيبتها.
وفيما سمعتم نعلم فوائد كثيرة، ويتضح للجميع أمور مهمة ينبغي لكل مؤمن أن يعنى بها، وأن يتواصى بها مع إخوانه، وأن تكون فائدته من هذه الندوة وأشباهها العمل، لا مجرد السماع فقط، وقد تقدم أن المقصود من هذه الندوات والمحاضرات هو الفقه والعمل، لا مجرد أن نعلم أو نسمع، ولكن نعلم ونسمع ونعمل، وهكذا من فوائدها التبليغ، كان عليه الصلاة والسلام إذا خطب الناس قال: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فالتبليغ للفائدة والعلم لمن لم يسمع في المجالس وفي المجتمعات والندوات بين الناس ومع الأهل فيما ينفعهم، كل هذا مهم جدًا حتى ينتشر العلم، وحتى تعم الفائدة، وحتى يحصل لمن لم يحضر الفائدة الكبيرة والمشاركة من طريق التبليغ.
وسمعتم في هذه الندوة ما ينبغي للمؤمن حول الطلاق، وحول الزواج، وأنه ينبغي له أولًا أن يعنى بتحري الزوجة الصالحة، والسؤال عنها، والتثبت في الأمور حتى يبنى هذا العقد العظيم على أساس متين، فينبغي له أن يسأل، ولأهله كذلك أن يسألوا حتى يدركوا المطلوب، وحتى يحظى بالمرأة الصالحة الطيبة ذات الدين، ولهذا شرع الله النظر للمخطوبة حتى يكون المؤمن على بينة، وذلك أحرى أن يؤدم بينهما، كما جاء في الحديث الشريف عن النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه أمر الخاطب أن ينظر، وقال: إن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما، يعني أن يوفق بينهما.
فالمشروع للمؤمن عند الزواج أن ينظر المخطوبة قبل أن يتم العقد، فإن لم يتيسر له النظر استعان بالثقات من أهل بيته من أمه أو أخته أو زوجة أبيه أو نحو ذلك بأن تنظر إلى المرأة، وتعرف حالها، وتسأل عما يلزم من ذلك حتى يكون على بينة في خطبته، المقصود أن هذا الأساس ينبغي العناية به، إما من طريق النظر إذا تيسر، وإما من طريق بعث من يعرف حالها، أو سؤال من يعرف حالها وأخلاقها ودينها، حتى يكون الزواج على بصيرة، وإذا نظر إليها فليس له أن يخلو بها، إنما ينظر إليها من دون خلوة، ينظر إليها مع وجود أبيها أو أخيها أو أمها أو نحو ذلك ممن تزول معه الخلوة، وحتى يعرف منها ما يدعوه إلى نكاحها، أو يدعوه إلى الترك.
ومن أهم الأمور أن يعنى بالدين، المرأة مثل ما قال النبي ﷺ قد تنكح للجمال، وقد تنكح للحسب، وقد تنكح للمال، وقد تنكح للدين، لكن ينبغي للمؤمن أن تكون عنايته بالدين أكثر، يقول عليه الصلاة والسلام: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ثم قال: فاظفر بذات الدين تربت يداك، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وقال في اللفظ الآخر: فساد عريض.
والمقصود أن الزوج يتحرى، والزوجة تتحرى أهل الزوجة ينظرون ويتأملون ويسألون عن الرجل عن دينه وأخلاقه وسيرته، حتى لا يضعون أمانة إلا عند أهلها، المرأة أمانة عند الولي، بنته وأخته ونحو ذلك أمانة عليه أن يختار لها، وعليه أن يحتاط لها، فإذا عرف الرجل بالخير والاستقامة وضعت الأمانة عنده، وكذلك الرجل ينظر ويختار لنفسه ويتحرى حتى لا يقدم إلا على بصيرة وعلى من يظن ويرجو أن تتفق معه وأن تستقيم معه.