3- من حديث (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط..)

1228- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ، وَمَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا.

1229- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وأنَّ عمر ضرب وغرَّب.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ.

1230- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1231- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا.

أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه بإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

1232- وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِلَفْظِ: ادْرَأُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.

1233- وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه مِنْ قَوْلِهِ، بِلَفْظِ: "ادْرَأُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ".

1234- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ بِهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ تعالى.

رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأ" مِنْ مَرَاسِيلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فحديث ابن عباس فيه الدّلالة على أنَّ مَن عمل عمل قوم لوطٍ يُقتل، وقد أجمع أصحابُ النبي ﷺ على قتله، وقال بعضُهم: يُرمى من شاهقٍ، كما فعل الله بقوم لوطٍ.

فالمقصود أنَّ إجماع الأئمة والصحابة منعقدٌ على قتله، وقال بعضُ أهل العلم أنه يُعامل معاملة الزاني: إن كان بكرًا جُلد مئة ويُغرَّب سنة، وإن كان ثيبًا يُرجم.

والصواب أنه يُقتل مطلقًا وإن لم يكن ثيبًا، هذا هو الصواب بإجماع الصحابة على ذلك، ولهذا الحديث، وإن كان في سنده اختلافٌ، لكنه لا بأس به، رجاله ثقات، ويتأيَّد بإجماع الصحابة رضي الله عنهم.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: لعن الله مَن عمل عمل قوم لوطٍ، لعن الله من عمل عمل قوم لوطٍ، لعن الله من عمل عمل قوم لوطٍ.

وأما مَن أتى الدَّابة فالصواب أنه يُعزَّر؛ لأنه لا يُعتمد في قتله على هذا الحديث، لعدم ما يُؤيده، ولكن يُعزر لإتيانه الفاحشة مع الدابة، ولهذا ثبت عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ مَن أتى الدابة قال: إنه يُعزَّر، يعني: يُؤدَّب بما يراه وليُّ الأمر.

والحديث الثاني: حديث أنَّ النبي ﷺ ضرب وغرَّب، والصديق وعمر، كل هذا ثابت عن النبي ﷺ؛ أن البكر يُغرَّب سنة، وهذا تكفي فيه السنة عن النبي ﷺ، كما في الحديث الصحيح.

والحديث الثالث: أن رسول الله ﷺ لعن المخنَّثين من الرجال، والمترجِّلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم.

والمخنث من الرجال: هو المتشبه بالنساء، والمترجلة من النساء: هي المتشبهة بالرجال، فكل هذا منكر، ومن الكبائر، لا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال، ولا يجوز للرجل أن يتشبه بالنساء: لا في الكلام، ولا في المشية، ولا في اللباس، وهكذا المرأة ليس لها أن تتشبه بالرجال: لا في الكلام، ولا في اللباس، ولا في المشية، كل ذلك منكر، ومن كبائر الذنوب، والواجب التأديب على ذلك، ولهذا لعن الرسولُ مَن فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فكون الرجل يتشبَّه بالنساء لا يبقى مع النساء، يجب أن يُخرج؛ لأنَّ هذا قد يكون فعله ليحتال بذلك على عورات المسلمين، فلا يجوز بقاؤه مع النساء، بل يجب إخراجه، ويجب أن يُعزَّر ويُؤدَّب حتى يستقيم مع الرجال.

والأحاديث الأخرى فيها الدلالة على أنَّ الحدود تُدرأ بالشبهات، وإن كانت ضعيفةً لكن يشدّ بعضُها بعضًا، ويُؤيدها الحديث الصحيح: مَن اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فتُدرأ بالشبهات لأنَّ الأصل براءة له، فإذا كان هناك حدّ لم تثبت به البينة العاجلة يُدرأ بالشبهات حتى تثبت البينةُ التي لا تبقى معها شبهة، لا في البكر، ولا في حقِّ الثيب، أما إذا وُجدت شبهة: شكَّ في ثقة الشهود، شكَّ في كونه عاقلًا، ما هو بعاقلٍ، أو اختلَّ عقله؛ تُدرأ الحدود بالشبهات حتى لا تبقى عند الحاكم شبهة في إقامة الحدِّ.

وحديث ابن عمر فيه الأمر باجتناب القاذورات –أي: المعاصي- فيجب على المسلم الحذر من جميع القاذورات: من زنا، ومن سرقة، ومن لواط، ومن شرب خمر، جميع القاذورات، كل المعاصي تُسمَّى: قاذورات، يجب الحذر منها، وكذلك جاء في النصوص الكثيرة، فمَن أبدى صفحته، وأظهر شيئًا منها؛ وجب أن يُقام عليه ما يستحق، والنبي ﷺ قال: كل أمتى مُعافى إلا المجاهرين.

فالواجب على مَن وقع في شيء أن يستتر بستر الله، وأن يحذر المجاهرة، ومَن تاب تاب الله عليه، فمتى أبدى صفحته متى وُجدت البينة أو أقرَّ أُخذ بأمر الله، أُخذ بالحدِّ، وما دام لم يُقرّ ولم تقم عليه البينةُ فالأصل السلامة، وعليه أن يستتر بستر الله إذا كان فعل شيئًا، وليتُبْ إلى الله بينه وبين ربِّه، ولا يُبْدِي ذلك للناس، ولا يفضح نفسه.

نسأل الله العافية والسلامة.

 

الأسئلة:

س: مَن أتى ذكر البهائم أو أنثى البهائم هل التَّعزير سواء فيه أم هناك تفصيل؟

ج: البهائم مُطلقًا يُعزَّر.

س: ..........؟

ج: حتى البهيمة في قتلها نظر؛ لأنَّ الحديث في سنده مقال.

س: الصحيح فيها أنها لا تُقتل؟

ج: إن قُتلت احتياطًا لا بأس، وإلا فمحل نظر، لكن إذا قُتلت احتياطًا حتى لا يُقال: هذه فعل بها فلان، هذه فعل بها فلان، يكون من باب إشاعة الفاحشة، فقتلها أحوط وأولى، تُذبح، إذا كانت تُؤكل تُذبح وتُؤكل، ما يُحرِّمها الوطء.

س: قول الرسول ﷺ في ماعز: هلا تركتُموه هل يُعتبر ..... هذا إقرار؟

ج: نعم؟

س: قوله عليه الصلاة والسلام للصحابة: هلا تركتُموه؟

ج: هذا في ماعز، مَن تاب تاب الله عليه، مَن أظهر التوبة وجاء تائبًا نادمًا.

س: ولو رُفع للإمام؟

ج: ولو، إذا جاء تائبًا نادمًا ينبغي للإمام أن يفعل ما يقتضي أنه يرجع ولا يأتيه، ولهذا أعرض النبيُّ عن ماعزٍ عدَّة مرات؛ لعله يرجع، لعله يذهب، حتى قال له: أَبِكَ جنونٌ؟.

س: قد ثبت إجماع الصحابة على قتل اللُّوطي أحسن الله إليك، فلماذا يُخالف الأصحاب ويُفسرونه على حدِّ الزاني؟

ج: ما هم الأصحاب وحدهم، خلاف بين العلماء، وهو خلافٌ ساقطٌ، ما هم وحدهم فقط.

س: حالق اللِّحية المُجاهر بحلقها هل يُنكر عليه فقط عند حلاقته للحيته أم إذا رُئِيَ حتى بعد انتهائه من الحلق، وكذلك سائر المعاصي؟

ج: يُنكر عليه دائمًا، متى وُجدت المعصيةُ يُنكر عليه، سواء عند فعلها، أو بعد فعلها، يُنكر عليه، ويُعلَّم، ويُوجَّه إلى الخير، ويُنصح، سواء حلقها أو قصَّها، ولا يجوز للحلَّاق أن يحلقها ولا يُقصِّرها -نسأل الله العافية.

س: الصحيح في قتل اللُّوطي كيفية قتله؟

ج: يُقتل بالسيف مثل غيره، وإن رُجم بالحجارة فلا بأس، لكن المعروف عند العلماء قتله بالسيف.

س: مَن قال أنه يُرْمَى من أعلى مكانٍ؟

ج: هذا قول بعض السلف، لكن قياسًا على ..، إلحاقًا باللوطية الذين خسف الله بهم الأرض ورماهم بالحجارة، لكن الأحوط في مثل هذا قتله بالسيف.

س: ضابط الشبهة المُعتبرة عند القاضي؟

ج : هذه ترجع إلى القُضاة، محل اجتهادهم.

س: يقول الشارحُ هنا: المراد مَن تخلَّق بذلك، لا مَن كان ذلك من تخلُّقه وجبلته، يعني: المُتخنثين من الرجال بالنساء؟

ج: الحديث عامٌّ، فمَن كان مُخَنَّثًا يُمنع من دخوله على النساء، وجلوسه مع النساء؛ لأنه قد يتّخذ هذا حيلةً فيما حرَّم الله.

س: هناك بعض الشباب يسير عنده نوعٌ من الميوعة؟

ج: ولو، يُمنع من البقاء مع النساء، يصير مع الرجال حتى يتعلم، حتى يستفيد، حتى تزول عنه الخنوثة.

س: الطلبة في المدارس فيهم بعض الميوعة الزائدة؟

ج: الله يُصلحهم.

س: قصدي الإنكار، يقول: هذه طبيعتي، ماذا أفعل؟ توجيهك حفظك الله.

ج: مثلما أمر النبيُّ ﷺ؛ يُعلَّم ويُرشَد لعلَّ الله يهديه ويكفيه من الخلق الذَّميم.

س: إذا وُجد جارٌ بجوار المسجد وعليه عدَّة معاصٍ: كحلق اللحية، وكذلك القزع في رأسه، وترك الصلاة، فهل يُنْكَر عليه جميع هذه المعاصي، أم يُبدأ بالأكبر فالأكبر؟

ج: هذا وهذا كله؛ لأنه ينتسب إلى الإسلام، ما دام ينتسب للإسلام يُبَيَّن له أن ترك الصلاة كفر، ويُبَيَّن له تحريم القزع، ويُبَيَّن له تحريم حلق اللِّحى؛ لأنه ينتسب للإسلام.

س: في وقتٍ واحدٍ؟

ج: كلها، كلها، لكن الأهم ترك الصلاة -نسأل الله العافية- أهم شيءٍ يبدأ بترك الصلاة؛ لأن هذا هو الأهم، إن هداه الله وصلَّى جاءت الأخرى إن شاء الله .....

س: رجلٌ دخل في الإسلام في أوروبا، وكان قبل ذلك يفعل اللواط، قال: ولما دخل في الإسلام تاب إلى الله، ولكن نفسه تتوق إلى اللواط؟

ج: يلزم التوبة والحمد لله، يُحارب الشيطان.

س: في بعض مراكز الهيئات يجدون كبير السن مع مَن هو صغير السن، لا يمتّ له بصلةٍ، فهل يحقّ لهم فصل هذا عن هذا؟

ج: على كل حال، هذا يرجع إلى الهيئة، إذا رأت شيئًا يدل على التّهمة هذا يرجع إليها، الله يدلهم ويُعينهم.

س: لكن ما يبعد؟

ج: لا، ما هو، على كل حالٍ، الهيئة تنظر، القاضي ينظر؛ قد يكون معه ولده، وقد يكون مع ولد أخيه.

س: ما هي بمظنة شرٍّ؟

ج: لا، ما هو، على كل حال، هذا محل تفصيلٍ، محل نظر، لا يُستعجل في هذا، الناس يصحبون أولادهم، ويصحبون عيال إخوانهم.

س: إذا تيقَّن أنه ليس له علاقة؟

ج: ولو، ولو، القاضي يعمل بما يرى.

س: حديث ابن عمر غرّب، وغرّب ...؟

ج: سواء موقوف أو مرفوع، هذا في حكم المرفوع.

س: يعمل به في الوقت الحاضر؟

ج: ..... بحاجة إليه، الحديث ثابتٌ في "الصحيحين"، والناس بحاجةٍ إليه، ثبت أو ما ثبت.

س: قول النبي ﷺ: لا يملّ الله حتى تملّوا هل في إثبات صحيح ...؟

ج: الوجه اللائق: لا يُشابه صفات المخلوقين، ملل يليق بالله، لا يُشابه المخلوقين، كسائر الصِّفات.

س: الاستتار من باب الوجوب؟

ج: نعم واجب، النبي ﷺ يقول: كل أمتي مُعافى إلا المجاهرين، فدل على أنَّ المجاهر ليس من أهل العافية -نعوذ بالله.

س: إن تاب ويُريد يعني التَّطهير؟

ج: لا، يجب عليه الاستتار، ولا يأتيه.

س: تسأل عن ..... تقول: هناك شرابات عليها شيء من الصور، هل من الإهانة ولا يجوز لي ذلك؟

ج: هذه إهانة لا شكَّ، إبدالها أحسن، إبدالها بشيءٍ ما فيه صور أولى، وإلا فهذه إهانة، الخوف فيها مذلة إهانة في البساط والكرسي، هذه إهانة، لكن إذا تيسر أن يكون ما فيه صور يكون أحسن وأحوط.

س: "ادرؤُوا الحدود بالشبهات" ثابت موقوفًا؟

ج: على حسب ظني أنه موقوفٌ على عليٍّ، لكن ما تتبعتُ، ما راجعتُ إسناده إلى الآن، في غالب ظني أنه موقوفٌ على عليٍّ، ثابت، وبكل حال الأدلة الأخرى تكفي حتى لو ما ثبت: مَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه في "الصحيحين".

 

بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

1235- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ، وَتَلَا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا الْحَدَّ".

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وأشار إليه البخاري.

1236- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّل لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهُ النبيُّ ﷺ: الْبَيِّنَة، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

1237- وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.

1238- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: "لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَمْلُوكَ فِي الْقَذْفِ إِلَّا أَرْبَعِينَ".

رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ فِي "جَامِعِهِ".

1239- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا الباب في القذف، والقذف في اللغة: الرمي، رمي الشيء، يُقال: قذفه بكذا، رماه بكذا، بالحجر ونحوه، هذا قذف: الرمي بالشيء، أما في الشرع إذا أُطلق القذف فالمراد به الرمي بالزنا والفاحشة، فالرمي بالفاحشة يُقال له: قذف، سواء كانت الفاحشة زنا أو لواطًا يُقال له: قذف.

وقد أنزل الله في ذلك قوله جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4]، وهو من الكبائر، ومن المحرَّمات، وقد أوجب الله فيه الحدّ، وهو من إشاعة الفاحشة، فالواجب الحذر من ذلك، فمَن فعل ذلك يُقام عليه الحدُّ بطلب المقذوف.

تقول عائشةُ رضي الله عنها: لما نزل عُذري في قوله جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].

المقصود أنه لما أنزل الله عذرها في سورة النور أمر النبيُّ ﷺ برجلين وامرأةٍ فحُدُّوا حدَّ القذف؛ لأنهم ممن أشاع هذا الشيء، وهما: حسان بن ثابت الشاعر ، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، فضُربوا الحدّ، أما عبدالله بن أبي -وهو الذي تولى كبره- فلم يُضرب الحدّ، والظاهر والله أعلم لأنَّ الرسول ﷺ كان يتألّفه؛ لأنه كان قد رُشِّح لرئاسة المدينة وملك المدينة، فلما جاء الله بالنبي ﷺ حُرم هذا الشيء، وصار في نفسه من هذا ذلك الشيء الكبير، واشتهر نفاقه، وكان النبي ﷺ يتألفه؛ لأنه رئيس قومه، تتبعه أمة كثيرة من الخزرج، فكان يتألفه عليه الصلاة والسلام، ويترك الكثير من زلَّاته لئلا يضلَّ بسببه كثيرٌ.

وهذا معروفٌ في أصول الشريعة، وهي درء المفاسد الكبرى بارتكاب المفاسد الصغرى، فالرسول ﷺ درأ مفسدة الشرِّ العظيم عن الأنصار بمسألة عدم عقابه على ما يحصل من الزلات منه، ومن ذلك القذف، فله زلات كثيرة -نسأل الله السلامة والعافية.

والحديث الثاني قصة هلال بن أمية مع شريك بن سحماء: النبي ﷺ قال له: البينة وإلا حدّ في ظهرك، فهذا يدل على أن مَن قذف إنسانًا بالزنا يُقال له: إما أربعة شهودٍ، وإما حدّ القذف إذا طلب صاحبُ الحقِّ حقَّه.

وفي حديث عبدالله بن عامر بن ربيعة أنَّ القاذف إذا كان مملوكًا فعليه نصف الحدِّ، والمقذوف محصنًا حرًّا عفيفًا، فإنه يكون نصف الحد: أربعين؛ لقوله جلَّ وعلا: فَإِذَا أُحْصِنَّ يعني: المملوكات فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فدلَّ ذلك على أنَّ المملوك يُجلد نصف الحرِّ بالزنا: خمسين، وفي القذف: أربعين.

والحديث الرابع: إذا قذف السيدُ مملوكه فإنه لا يُقام عليه الحدُّ في الدنيا، ولكن يُقام عليه الحدُّ يوم القيامة إذا ما كان صادقًا، هذا يدل على أن السيد لا يُقام عليه الحدُّ في الدنيا إذا قذف مملوكه، ولكن يستحق التعزير إذا طلب المملوكُ حقَّه؛ إما أن يثبت عليه وإلا يُعزر، والسيد سوف يُقام عليه الحدّ يوم القيامة كما أخبر الرسولُ ﷺ، وهذا يفيد أنَّ من شرط إقامة الحدّ: كون المقذوف محصنًا حرًّا عفيفًا، يعني: فإذا كان ممن هو معروف بالفسوق والشر وليس بعفيفٍ فلا يُقام عليه الحد، بل التعزير، الرامي يُعزَّر، إلا ببينة الذي ليس بمحصنٍ، وهكذا إذا كان مملوكًا فالرامي له يُعزر، ولا يُقام عليه الحدّ، بل التَّعزير.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: ....... ﷺ مع ابن أبي بن خلف؟

ج: عبدالله بن أبي بن سلول، أبي بن خلف هذا من كفار قريش، ممن قُتل يوم بدر.

س: ابن سلول، أنا أقصد هل النبي ﷺ مثل هذه الأيام؟

ج: ..... هذا قُتل يوم أحد، وأُبي بن خلف قُتل يوم بدر.

س: أقصد فعله ﷺ معه وتركه لزلَّاته، مثاله في هذه الأيام كيف يُطبق هذه الأيام؟

ج: الرئيس، إذا كان رئيسَ قومٍ ورأى وليُّ الأمر سماحه وعدم مُعاقبته؛ درءًا لشرِّ مفسدةٍ تقوم بين ولي الأمر وبين جماعته، فهذا معناه.

س: يعني مع وجود الآية؟

ج: سدّ الذريعة، إذا كان يترتب على جلده أو نحو ذلك ضرر على المسلمين أكبر.

س: يعني: هو مُستثنًى من الآيات؟

ج: نعم.

س: ألفاظ القذف هل منها ما هو صريح، ومنها ما هو كناية؟

ج: ما في شكّ، الصريح: زنا فلان، فعل اللواط فلان، وقد يكون بألفاظ ما هي صريحة في هذا.

س: السيد يُعزر إذا قذف عبده؟

ج: يستحق التعزير، إذا ثبت عند ولي الأمر رميه للمملوك، ومملوكه طالب بذلك يُعزر، لكن لا يُقام عليه الحد، الحد يوم القيامة يُقام عليه.

س: القذف باللواط هل حكمه حكم قذف الزنا؟

ج: أشد، أشد -نسأل الله العافية.

س: والقذف باللواط والزنا حكمه حكم التَّعزير؟

ج: ..... هذا يُرجع فيه إلى ولي الأمر، حد التعزير، يعني: التعزير تقديره إلى ولي الأمر.

س: إذا قذف زوجتَه برجلٍ معينٍ، ثم لاعن، هل يسقط الحدُّ عنه؟

ج: إذا لاعن سقط الحدُّ، لكن المقذوف له حقٌّ إذا طالب شخصًا آخر، سقط الحد من جهتها هي، أما الثاني لا، له حقٌّ إذا هو طلب، له أن يطلب حقَّه، المقذوف يعني.

س: الرسول ﷺ لماذا لم يُقمه على هلال بن أمية، قال: البينة وإلا حدّ في ظهرك؟

ج: لأنه قذف المرأة، لعلَّ شريك ما طلب، أقول: لعل شريك لم يطلب شيئًا.

س: يقول بعضُ أهل العلم: إنَّ ذا الوجاهة يُجلد بحدّ القذف في قصره، والطائفة هم الحاشية؟

ج: لا، ما هو بكل حال، والنبي ما جاء .....، المقصود أن هذا يرجع إلى ولي الأمر في درء المفاسد الكبرى.

س: ما ذهب إليه بعضُ أهل العلم: أن النبي ﷺ لم يحد عبدالله بن أبي لأن هذا تطهيرٌ له؟

ج: لا، ما هو بعلَّةٍ على الصحيح، العلة أمر آخر، المسائل كثيرة، النبي ﷺ لم يُقم عليه بها تعزيرات لدفع الشر، وله مواقف سيئة، والنبي ﷺ صفح عنه؛ تأليفًا لقلوب الخزرج.

س: قذف الذّمي؟

ج: فيه التَّعزير إذا كان المقذوف محصنًا، وهو الحر المسلم العفيف، قذف الذمي والمعلن الفسوق هذا فيه تعزير.

س: ثلاثة إذا رأوا واحدًا يزني زنا صريحًا، فإذا ما اكتمل معهم الرابع؟

ج: يحدون حدّ القذف.

س: أو ما يشهدون؟

ج: لا يشهدون؛ لئلا يُقام عليهم الحد، شهادتهم ما تنفع.

س: مَن قذف بالكفر؟

ج: هذا محل تعزيرٍ، إذا طالب بحقِّه يكون فيه التَّعزير، إلا أن يثبت ما قاله.

س: المُعتبر في تفطير الصائم هل هو التَّمر مع القهوة بعد الأذان، أو هو العشاء المقصود؟

ج: تفطير الصائم بعد غروب الشمس ولو بتمرةٍ، ولو بشربة ماء، قال النبي ﷺ: إذا أقبل الليلُ من هاهنا، وأدبر النهارُ من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم حكمًا، لكن الأفضل أنه يُبادر ولو بتمرةٍ، ولو بشربة ماء؛ لقوله ﷺ: لا يزال الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر، وفي الحديث يقول الله جلَّ وعلا: أحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا.

س: هل يجب عليه أن ينوي الإفطار حكمًا؟

ج: لا، ما يجب عليه، هو دخل في الإفطار ولو ما نواه، أفطر حكمًا، لكن الأفضل له البدار، الأفضل له أن يُبادر؛ إما أن يشرب ماء، وإلا تمرة، وإلا نحوها مما يُفطر الصائم.

س: مثل الذي في الطريق: لا ماء ولا تمر؟

ج: الحمد لله أفطر، له الأجر؛ لأنه لو قدر فعل.

س: المملوك إذا سرق ما حدّه؟

ج: إن سرق المملوكُ فهذا محل نظرٍ، يحتاج إلى نظرٍ، يحتاج إلى تأمُّلٍ في الدرس الآخر إن شاء الله.

مداخلة: يقول: قد أخرج الحاكمُ في "الإكليل" أنه ﷺ حدَّه من جملة القذفة، أي: عبدالله بن أُبي؟

ج: لا، ما هو معروف، لم يُحَدّ، المعروف ما حدَّ، إنما حدَّ رجلين اثنين وامرأة.

س: قوله عليه الصلاة والسلام: يُقام عليه الحدّ يوم القيامة، يعني: أن الحدود إذا ما أُقيمت في الدنيا تُقام يوم القيامة؟

ج: الله أعلم، هذا من باب الوعيد والله أعلم.

س: للحاكم كتاب اسمه "الإكليل"؟

ج: نعم، لكن ما رأيتُه، يُعزى إليه.

س: في الحديث؟

ج: أي نعم، تُعزى إليه بعضُ الروايات، لكن ما أتذكر أني اطلعتُ عليه.