ضرورة التعاون للقضاء على مروجي الخمور والمخدرات

فالواجب عليكم -أيها الإخوة- وعلى كل مسلم على كل عالم وعلى كل من له أدنى بصيرة وأدنى تمييز أن يساعد ويعاون في القضاء على هذه الشرور، وقد سمعتم في ندوة إخواننا ندوة المشايخ أن من واجب المسلمين التعاون؛ لأن ولي الأمر -جزاه الله خيرًا- قد نفذ الحدود فيها، وفعل ما يردع الناس عنها، ولكن وجودها بين الناس وتناولها بين الناس وتعاطيها بين الناس مما يتعب ولاة الأمور، فالواجب التعاون.

 لا يجوز التستر على من يتعاطى بيعها ونقلها وصناعتها، فبعض الناس قد يتستر عليه وهو يعلم أن عنده مصنع وأنه يبيع وأنه يروجها وأنه يبيعها إلى الخارج ومع هذا يستر عليه ويقول: ما علي منه! كيف ليس عليك منه؟! عليك منه لإنكار المنكر؛ لأن هذا مفسد في الأرض، فالذي تعلم أن عنده مصنع أو يروجها ويبيعها ويأتي بها بطرق شيطانية بَيّنها للناس واتصل بالمسئولين، الله جل وعلا يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2]، ويقول جل وعلا في كتابه العظيم: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، ويقول النبي ﷺ: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ويقول عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ويقول عليه الصلاة والسلام أيضًا: ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل رواه مسلم في صحيحه.

فهذا يدل على أنه جهاد، أن التعاون مع ولاة الأمور في جهاد مروجي المعاصي والشرور أنه من الجهاد الذي شرعه الله عز وجل؛ لأن ولاة الأمور في حاجة إلى التعاون معهم مع الهيئة مع الأمراء مع المحكمة مع الشرطة مع غير هؤلاء من المسئولين، التعاون معهم في دلالتهم على مروجي هذا البلاء مروجي هذه الشرور؛ حتى يسلم المسلمون من شرهم، ومن بلائهم، ومن العواقب الوخيمة.

ولاة الأمور هم الأمراء والعلماء، هم ولاة الأمور، والله يقول جل وعلا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]، فولاة الأمور هم الأمراء وعلى رأسهم الملك، ثم الأمراء الآخرون ومن له ولاية كلهم ولاة الأمر.

والعلماء كذلك؛ لأن لهم ولاية بالبيان والإيضاح والدلالة ونشر العلم، فالتعاون مع العلماء ومع الأمراء في بيان ما يضر المجتمع وما يصلح أمر الرعية وما يعين على استتاب الأمن وزوال الشرور أمر لازم وواجب على الجميع، كله داخل في التعاون على البر والتقوى.

فلا يجوز التستر على أولئك المروجين والصناعين لهذه البلايا والنقل لها من بلاد إلى بلاد، كل هذا يضر المسلمين جميعًا، ويسبب الأخطار في مواضع كثيرة.. في السيارات.. وفي غيرها، فكم من حادث بأسباب هذه الحبوب وهذه الخمور؟!... كم من حادث ترتب عليه هلاك الأمم؟!

فيجب على المؤمنين التعاون على البر والتقوى، والتعاون مع ولاة الأمور من الأمراء والعلماء؛ حتى يقل الشر وحتى يكثر الخير.

هكذا واجب المؤمنين في هذا الباب وغيره في جميع الأمور أن يتعاونوا مع الهيئة لإزالة المنكرات، ويتعاونوا معهم في هذه الأشياء في مروجي الخمور والحبوب ونحو ذلك.

 يُتعاون مع الأمراء في كل بلد ومع المحكمة في كل بلد حتى يقضى على هذه الشرور، وحتى يعلم من يروجها أنه لا مؤوي له، وأنه لا صاحب له ولا صديق له في هذا الباب، وأن الواجب على المسلمين جميعًا أن يكونوا حربًا عليه ضدًا له حتى يترك هذا العمل السيئ، وحتى يمتنع منه، وحتى يكون عضوًا صالحًا لا عضوًا مفسدًا.

رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

وهذا كما لا يخفى من فوائد الاجتماع، فالرسول ﷺ يقول إذا خطب الناس وذكرهم يقول ﷺ: بلغوا عني، ويقول: فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع، والله يقول سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 71].

 فعليكم البلاغ والبيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون أينما كنتم، كل يبلغ من حوله، كل يبلغ من يظن أن فيه فائدة حتى يحصل التعاون بين المسلمين في كل البلاد، ويكثر الخير، ويقل الشر، ويتحقق ما وصف الله به أهل الإيمان من قوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثم قال بعده: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة: 71]، فعلق الرحمة بهذا، علق الرحمة بإيمانهم وكونهم أولياء فيما بينهم، لا حسد ولا بغضاء ولا حقد ولا خيانة، ومع ذلك يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، هذا هو وصف المؤمنين به، وعدهم الله الرحمة ووعدهم به الجنة والكرامة .

جعلنا الله وإياكم منهم، ورزقنا وإياكم صراطه المستقيم، وجزى المشايخ عن ندوتهم خيرًا، وضاعف مثوبتهم، ونفعنا بما قالوا، وجعلنا وإياكم هداة مهتدين، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم الراغبين في تحكيم الشريعة، وإنفاذ حكمها، والخضوع لها، والوقوف عند حدودها، والوفاة عليها، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.