بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ
1240- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: تُقْطَعُ يَدُ السَّارق فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ, وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ.
1241- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1242- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا.
1243- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَامَ فَخطَبَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "كَانَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَطْعِ يَدِهَا".
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالقطع في السرقة، فالسرقة بيَّن الله حدَّها في كتابه الكريم في سورة المائدة، قال جلَّ وعلا: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]، هذه عقوبة للسارق، وبذلك يحفظ الله أموال الناس، لولا الله ثم هذه العقوبة لأُخذت أموال الناس، وسُرقت أموال الناس، ولكن الله جعل هذا الحدَّ حمايةً لأموال المسلمين في كل مكانٍ، ولهذا تمر السنوات الكثيرة في البلد ما قُطعت يدٌ؛ لخوف الناس من هذا الحدِّ.
فالمقصود أنَّ الله حمى أموال المسلمين بهذا الحدِّ، كما حمى فروج المسلمين بحدِّ الزنا، وحماهم من الخمر بالحدِّ، فهكذا في مسألة السرقة، وهي حدٌّ عظيمٌ خطيرٌ، وهي قطع بالسيف أعظم من الجلد.
يقول النبي ﷺ: لا تُقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا.
الرسول ﷺ بيَّن النِّصاب، والرب جلَّ وعلا بيَّن الحدَّ، ولم يُبَيّن النصاب، والرسول ﷺ بيَّن النصاب، والسنة تُفسِّر القرآن، وتُبين معناه، يقول الله جلَّ وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ما تُقطع اليد في الشيء اليسير: تمرات أو فاكهة لا تُساوي شيئًا، لا، لا بدّ من حدٍّ محدودٍ بيَّنه الرسولُ ﷺ، الحد أنه ربع دينار.
والدينار عُملة من الذهب في عهد النبي ﷺ، صرفها اثنا عشر درهم، وزنتها مثقال، فهذا المثقال تُقطع فيه اليد صاعدًا فأكثر، إذا كان دينارين، ثلاثة من باب أولى، كلما زاد فهو من باب أولى، لكن أقلّ شيءٍ هذا حد لقلةٍ، هذا الحد الأقل، إذا كان دونه: سرق تمرات، سرق فاكهة، سرق ..... وما تبلغ، وما أشبه ذلك؛ لا تُقطع يده حتى يكون المسروقُ يبلغ ربع دينارٍ فصاعدًا، ولهذا قال: تُقطع اليد في رواية البخاري: في ربع دينار فصاعدًا، وفي رواية أحمد: اقطعوا في ربع الدينار، ولا تقطعوا بما هو أدنى من ذلك.
حديث ابن عمر: أن الرسول ﷺ قطع في مجنٍّ ثمنه ثلاثة دراهم، يعني: قيمته ربع الدينار، ثلاث دراهم قيمة ربع الدينار، يعني: صرف الدينار في عهد النبي ﷺ اثنا عشر درهمًا.
والحديث الآخر: لعن الله السارقَ: يسرق الحبل فتُقطع يده، ويسرق البيضةَ فتُقطع يده، قال العلماء في تفسيره: معنى ذلك أنه يسرق الحبلَ ويتساهل، فيجرّه إلى سرقة ما هو أكبر، يسرق البيضةَ فيجرّه إلى ما هو أكبر، وليس معناه أنَّ البيضة يُقطع فيها؛ لأنها ما تُساوي ربع الدينار، ولا الحبل، لكن لو سرق حبلًا يُساوي ربع الدينار قُطع، أو بيضة لها شأنٌ تبلغ ربع الدينار: تكون بيضة نعام، أو كذا، المقصود أنه إذا وجد بيضةً لشيءٍ من الحيوانات المأكولة لها قيمة فلا بأس، وإلا فالأصل ألا تُقطع.
فلهذا فُسّر الحديث بأنَّ المعنى أنه يسرق الشيء القليل فيجرّه ذلك إلى سرقة الكبير، ولهذا قال: لعن الله السارق يعني: لسقوط همَّته، يسرق الشيء القليل فيجرّه ذلك إلى الشيء الكبير الذي تُقطع فيه يده، وإذا وجد حبل يُساوي ربع الدينار، أو بيضة تُساوي ربع الدينار قطع.
وفي هذا أنَّ السرقة من الكبائر؛ ولهذا لعن الرسولُ ﷺ صاحبَها، قال: لعن الله السارق، فدلَّ على أنها من كبائر الذنوب.
والحديث الرابع: حديث السارقة التي سرقت من بني مخزوم، امرأة من بني مخزوم سرقت، فأمر النبي ﷺ بقطع يدها، فقال بنو مخزوم -وهم من كبار قريشٍ بعد الفتح، ومنهم أبو جهل وابن ربيعة: أتُقطع يد فلانة؟! انظروا مَن يشفع فيها؟ فقالوا: مَن يجترئ إلا أسامة بن زيد حِبّ رسول الله ﷺ، فتقدَّم أسامةُ فقال: يا رسول الله، أشفع أنها لا تُقطع يدها، فقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام وقال: إنما هلك مَن كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيفُ أقاموا عليه الحدّ، وايم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها، ثم أمر بقطعها، قالت عائشة: "وكانت تأتينا بعد ذلك"، فحسُنت توبتها، وصلح حالها، كانت تأتي إليهم في المدينة ترفع حاجتها إلى النبي ﷺ وتُقضى حاجتها.
وفي لفظٍ: "كانت تستعير المتاعَ فتجحده"، فأمر النبيُّ ﷺ بقطع يدها، فهذا يدل على أنَّ الذي يستعير متاعًا ويجحد حكمه حكم السارق؛ إذا سرق نصابًا فأكثر يُقطع، إذا كانت المرأة والرجل يستعير ويقول: "ما أخذتُ شيئًا"، ثم يثبت عليه بالبينة يُقطع؛ سدًّا لباب التلاعب بأموال الناس، فالسارق الذي يأخذ أموالَ الناس بالخفاء، والمستعير الذي يستعير ويجحد، فإذا ثبت عليه تُقطع يده، كما قُطعت يد هذه المرأة المخزومية.
الأسئلة:
س: ما حكم دراسة القانون لا للعمل به، ولكن لأنَّ مجالات الوظائف كثيرة ومُغرية؟
ج: إذا درس القانون ليعرف حاله، لا ليعمل به، ليعرف حقيقته حتى يتوظَّف في الشيء الذي ما يُخالف الشرع، أو ليعرف الذي ما يُخالف الشرع فلا بأس، أما ليعمل به وهو يُخالف الشرع فلا.
س: كيف يستطيع تحويل ربع دينار إلى عملتنا الآن؟
ج: مثلما قلتُ لكم، تقدم لكم أن الدينار: أربعة أسباع، هذا الدينار، ربع الدينار سبع، الدينار في عهد النبي مثقال، والدينار الآن مثقالان إلا ربع ... الدينار معناه: سُبع جنيه سعودي، فإذا كان الجنيه السُّعودي يُساوي سبعين، صار ربع الدينار عشرة، وإذا كان مئة وأربعين، صار ربع الدينار عشرين، الدينار مثقال، والجنيه مثقالان إلا ربع، فصار الدينار أربعة أسباع ...
س: إذا كان نصابُ السرقة ما يتجاوز عشرة ريالات؟
ج: ماذا؟
س: الآن نصاب السرقة الذي تُقطع فيه اليد؟
ج: إذا كان صرف الجنيه سبعين صار .....، وإذا كان الصرفُ أكثر صار أكثر، قطع النبيُّ ﷺ في مجنٍّ: ثلاثة دراهم، ما هو بعشرة، ثلاثة دراهم.
س: ضابط الحِرْز؟
ج: الحرز الذي يُمنع، يعني: يُسميه الناس: حِرْزًا، يصون أموال الناس؛ إما غرفة مُقفلة، أو صندوق مقفل، وأشباه ذلك، شيء يُسمَّى: حِرْزًا عند الناس، ما هو ..... في البيت كذا، أو ..... في الطريق، أو ..... عند الباب، لا، لا بد أن يكون في حرزٍ: صندوق، أو غرفة مُغلقة، أو ما أشبه ذلك.
س: الذي يسرق السيارات؟
ج: إذا كانت مسكوكةً أو عند الباب فهي حرزٌ، هذا حرزهم، وهل يحطّها الناسُ في بيوتهم؟! السيارة عند الباب، هذا حرزها، الذي يسرقها يُقطع ...
س: ليست العبرة بتكرار السَّرقة؟
ج: لا, ولو مرة واحدة.
س: معرفة حرز السيارة إذا كان هناك شيء مكشوف؟
ج: عند الباب حرزها، عند باب أهلها.
س: الرجل سرق وهو جائع؟
ج: سرقها أو؟
س: سرق ليأكل؟
ج: طعام في وسطها؟
س: يعني: فلوسًا ليشتري بها، دراهم رآها في السيارة ليشتري ..؟
ج: إذا كسرها يُقطع.
س: ولو كان جائعًا؟
ج: ولو كان جائعًا.
س: مَن قُطعت يده ورجله ثم سرق، هل يكمل على باقي أعضائه؟
ج: الصواب لا، يُعزَّر، يُؤَدَّب.
س: وما رُوي عن أبي بكرٍ؟
ج: فيه نظر، لا بد أن نُبينها لكم إن شاء الله.
1244- وَعَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، ولَا مُنْتَهِبٍ قَطْعٌ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ.
1245- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ.
رَوَاهُ الْمَذْكُورُونَ, وَصَحَّحَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ.
1246 - وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: أُتِيَ رسولُ الله ﷺ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا، وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا إِخَالكَ سَرَقْتَ، قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ، وَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
1247- وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَسَاقَهُ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِيهِ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ احْسِمُوهُ.
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالسرقة أيضًا:
الحديث الأول: يقول ﷺ: لا قطع على خائنٍ، ولا مُنْتَهِبٍ، ولا مُخْتَلِسٍ؛ لأنَّ هذا ما يُسمى: سرقة، هذه خيانة وظلم ظاهر، فالخائن الذي عنده الأمانة وخان فيها، أو مختلس يجلس عند صاحب الدّكان أو عند صاحب البنشر ويختلس، إذا غفل اختلس من بنشره بعض الشيء عند غفلته، حسّ في أحدٍ أو ..، والمنتهب الذي ينهب على رؤوس الأشهاد الحاجة، يُسمَّى: مُنْتَهِبًا، وهو الغاصب.
فهؤلاء عليهم الأدب، يُؤدَّبون، وليس عليهم قطعٌ؛ لأنه ما يُسمَّى عملهم: سرقة، السرقة هو الذي يأخذ على سبيل الإخفاء، بالطرق الخفية من الحرز: كأن يأتي في الليل ويكسر الباب، ويكسر القفل، وما أشبه ذلك، هذا يُسمَّى: سارقًا، الذي يأتي ويسرق المتاع على وجه الخفية من الحرز الذي يحرز أمثال هذا المسروق، أما الخائن: الذي خان الأمانة، الوديعة، انتهب على رؤوس الأشهاد، غصب شيئًا على رؤوس الأشهاد، اختلس عند غفلة صاحب المال، يختلس من متاعه شيئًا: من بنشره، من دكانه، من مجلسه، هذا يُسمَّى: مختلسًا، وعليه الأدب، يُؤَدَّب، يُؤَدِّبه وليُّ الأمر بما يراه من دون قطعٍ.
والثاني: يقول ﷺ: لا قطعَ في ثمرٍ، ولا كثرٍ، الثمر واحد الثمار، الثمر الْمُعَلَّق، كما يأتي في حديث عبدالله بن عمرو، الثمار الْمُعَلَّقة لا قطعَ فيها حتى يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، ولكنه يُؤدَّب، يُعاقَب ويُغرَّم، كما يأتي إن شاء الله البحث فيه في حديث عبدالله بن عمرو.
أما الكثر: فهو جمر النخل، شحمة النخل يُقال لها: جمر، الشّحمة لا قطعَ فيها، لو أخذ إنسانٌ جمر النخل لا قطعَ فيها، وإنما يستحق التَّعزير والتَّأديب.
والحديث الثالث: حديث أبي أُمية الذي جيء به مُعترفًا بأنه سرق، يعني: جاء مُعترفًا تائبًا، يعترف أنه سرق، فقال له النبيُّ ﷺ: ما إخالك -ما أظنّك- سرقتَ، فقال: لا، أنا سارقٌ، فكرر عليه النبيُّ ﷺ ثلاثًا: ما إخالك ما أظنك، قال: لا، أنا سارقٌ، فأمر النبيُّ ﷺ بقطعه، وأمر بحسمه، حسمه يعني: يُستعمل شيء يحسم الدم، إذا قطع يحسم حتى لا ينزف.
فهذه دلالة على أنَّ السارق إذا اعترف وأصرَّ على الاعتراف يُقطع، وإن رجع ولم يبقَ على اعترافه: بأن لُقِّن، أو أشار عليه أحدٌ، أو هو نفسه هون؛ ما يُقام عليه الحدّ، كالزاني، كما تقدَّم في قصة ماعز، فالإنسان إذا أتى مُعترفًا تائبًا ثم رجع ولُقِّن وذهب ولم يبقَ على إقراره يُترك، فإن أصرَّ وبقي على إقراره يُقام عليه الحد، لكن كونه يُقال: ما إخالك سرقتَ، ما أخالك زنيتَ، إن شاء الله أنت رجلٌ طيب، إذا قال: لا، لا، أنا سارق، وأنا زانٍ؛ يُقام عليه الحد.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: هل الأفضل أن يستر على نفسه -السارق أو الزاني- أم يعترف؟
ج: الواجب أن يستر على نفسه، ويرد الحقَّ إلى صاحبه بأي طريقةٍ، ويتوب إلى الله فيما بينه وبين نفسه، ولا يعترف، سواء زانٍ أو سارق.
س: إذن ماذا تُحمل قصص هؤلاء الصحابة بإقرارهم على أنفسهم؟
ج: هذا اجتهادهم، من شدَّة ما في نفوسهم من الخوف من الله جاءوا يُريدون الحدَّ الشرعي؛ التطهير الشرعي، لشدة خوفهم من الله، ولشدة رغبتهم في أسباب النَّجاة.
س: هذا طفلٌ سرق في صغره، كان عمره ثماني سنوات، يقول: سرقتُ شيئًا من الحمام، وأشياء كثيرة، والآن كبر سنُّه، يقول: ماذا أفعل؟
ج: ما عليه شيء، إن كانت لها قيمة يُعطيهم قيمتها، وإن كانت قيمتها سهلة ما عليه شيء، وإن كانت لها قيمة وهو يعرفهم يُعطيهم إياها، أو يتصدَّق بها إن كان ما يعرفهم، إن كانت قيمتها سهلة، أمرها سهل.
س: في هذا السنّ إذا وصل أمره إلى الحاكم يُؤدَّب؟
ج: مَن هو؟
س: مَن عمره ثماني سنوات؟
ج: ماذا؟
س: إذا وصل أمره بسرقة الحمام والدجاج وكذا؟
ج: تأديبٌ خاصٌّ من أبيه، أو من غيره، الأطفال يُؤدَّبون عن سرقتهم حتى من غير أهلهم، يُؤدبون حتى لا يعتادوا هذا .....
س: الجُمَّار إذا كان في حرزٍ يُقام عليه الحدّ؟
ج: الجمار والثمر إذا كان في حرزٍ وبلغ نصاب السرقة يُقام عليه الحدّ إذا أخذه من حرزٍ، أو أخذ الثمر من الحرز، أو أخذ التمر من الحرز، وهو يبلغ النِّصاب، يُقام عليه الحد.
س: الحديث مُقيدٌ بالحرز؟
ج: نعم.
س: درجة حديث جابر الأول؟
ج: لا بأس به.
س: بالنسبة لبعض الناس: اعتاد على التَّذوق من بعض المطابخ المعروفة بدون أن يستأذن من صاحب المحلِّ؟
ج: ما يضرّ، الذوق ما يُخالف؛ لأنه قد يكون يريد الشراء وينظر هو صالح أو لا، أما إن كان ما يُريد الشراء ما ينبغي له؛ لأنَّ هذا وإن كان لا يضرّ ولكنه دناءة .. أقل شيء الكراهة، أما إذا كان يريد الشراء فلا بأس.
س: المرأة التي كانت تستعير المتاعَ فقُطعت يدها؟
ج: هذا خاصٌّ مُستثنى من الخيانة بالنصِّ؛ لأنَّ شرَّها عظيم.
س: بعض العمَّال يعمل عند أحد التّجار، وهذا التاجر لا يُعطيه حقَّه، ويأخذ بعض راتبه من هذا الدّكان، بحيث ما يعلم صاحبُ المتجر، فما أدري صحّة عمل هذا؟
ج: إن صدق ما عليه شيء، إن صدق ما عليه شيء، فيما بينه وبين الله إن صدق ما عليه شيء.
س: يأخذ حقَّه بدون علمٍ؟
ج: إذا كان صادقًا ما عليه شيء.
س: إرجاع اليد الآن بعد القطع عن طريق الطبِّ؟
ج: لا، ما ترجع، تُدفن فقط.
س: حديث عائشة .. أنها كانت تستعير المتاع؟
ج: تقدَّم، تقدَّم، نعم، بعض أهل العلم يرون أنها لا تُقطع، وأنها من باب الخيانة، ولكن الصواب أنها تُقطع؛ لأنَّ شرَّها عظيم، تقدم الحديثُ أنه شفع فيها أسامةُ بن زيد، وأنكر عليه النبيُّ وقال: إنما هلك مَن كان قبلكم .. الحديث كما تقدَّم.
س: هذه الصورة فقط هي مُستثناة من الخيانة؟
ج: نعم، مُستثناة من الخيانة عند مَن قال بها من أهل العلم.
س: يعني: إذا حصل الآن يُطبق؟
ج: هذا الصواب، إذا ثبت عليها ذلك بالبينة الشرعية.
س: درجة حديث أبي أمية؟
ج: لا بأس به جيد.