وسمعتم أنواع الربا، وأنه نوعان يرجع إلى نوعين: ربا الفضل، وربا النسيئة، ربا الفضل بيع الشيئين من جنس واحد بزيادة في أحدهما يسمى ربا الفضل، جنيه بجنيهين، درهم بدرهمين، صاع رز بصاعين، صاع حنطة بصاعين، هذا يقال له ربا الفضل، ولا يجوز مطلقًا، لا يدًا بيد ولا نسيئة، الجنس الواحد من أموال الربا إذا بيع متفاضلًا فهذا هو ربا الفضل، صاع من الحنطة بصاع ومد أو صاع ونصف، أو صاع من الرز بصاع ونصف أو صاعين، أو درهم بدرهمين، أو جنيه بجنيهين، أو حلية تزن عشر جنيهات بحلية، تزن إحدى عشر أو اثنا عشر من الذهب وما أشبه ذلك، هذا يقال له: ربا الفضل، وهو محرم سواء كان يدًا بيد أو بالنسيئة، إذا باعه نسيئة اجتمع فيه الربا بنوعيه، إذا باعه صاع حنطة بصاعين، اجتمع فيه الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، أو باع حلية فيها عشرة جنيهات بحلية فيها عشرون أو خمسة عشر نسيئة فهذا فيه الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة جميعًا.
وربا النسيئة -مثلما سمعتم- أن يبيع ما فيه الربا بغيره نسيئة من غير جنسه، يقال له: ربا نسيئة، كأن يبيع الفضة بالذهب نسيئة هذا يقال له: ربا النسيئة؛ لأنهما جنسان هذا ربا النسيئة، فإذا باع فضة بذهب نسيئة، أو صاع بر بصاعين من الشعير نسيئة، أو صاع بر بصاعين من الأرز نسيئة، فهذا يقال له: ربا النسيئة، ومع هذا دخل في ضمنه ربا الفضل، وإذا باع يعني في مسألة الذهب وحده والرز وحده، أما إذا باع صاعًا من الأرز بصاعين من الشعير نسيئة فهذا فيه ربا النسيئة فقط؛ لأنه يجوز بيع الصاع من البر بالصاعين من الشعر؛ لأنهما جنسان يجوز بيع هذا بهذا يدًا بيد، فإذا أعطاه صاعًا من البر بصاعين من الشعير يدًا بيد فلا بأس، لكن إذا كان نسيئة فهذا فيه ربا النسيئة، وإذا كان صاعًا من البر طيب بصاعين من البر الرديء نسيئة اجتمع فيه الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسيئة جميعًا، وإذا أعطاه قرضًا ألف ريال بألف وعشرة صار فيه ربا الفضل وربا النسيئة أيضًا، ألف ريال بألف وعشرة ربا الفضل لأنه زاده عشرة وربا النسيئة لأنه لم يقبضه بل مؤجل.
وإذا حل الدين وقال: إما أن تربي وإما أن تقضي إما أن تعطيني حقي أو أزيد قال: ما عندي شيء ما أستطيع أن أسلم لك الآن ألف أو ألفين على حسب دينه، ولكن لا مانع أمهلني وزد، فيمهله في الألف إلى ستة أشهر أو إلى سنة مع زيادة خمسين ريال أو مئة ريال أو أكثر أو أقل من أجل إمهاله وكله محرم بالإجماع، ربا النسيئة، وربا الفضل قد روي خلاف فيه عن بعض السلف ولكنه زال، فربا الفضل وربا النسيئة كله محرم بالإجماع؛ لأن النصوص فيه متكاثرة عن النبي عليه الصلاة والسلام يقول عليه الصلاة والسلام: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد.
فبين ﷺ أن الجنس الواحد لا يجوز بيعه بجنسه إلا يدًا بيد مع التماثل، أما إذا اختلف الجنس ذهبًا بفضة، أو برًا بشعير أو بملح، أو برًا بتمر جاز التفاضل، لكن مع القبض كونه يدًا بيد، إذا اختلف الجنس هذه أمور بحمد الله واضحة، ويجب على المسلم أن يعنى بها، وأن يحذرها.
والواقع اليوم والأكثر اليوم هو ما يتعلق بالديون، وهي التي يتعاطها البنوك في إقراضهم للناس، وفي أخذهم ودائع الناس في اقتراضهم وإقراضهم، فأخذهم الودائع اقتراض ودفعهم المال لغيرهم إقراض، فالربا في هذا وفي هذا كله ممنوع، فلا يجوز لصاحب البنك ولا لغيره من التجار أن يقرض بزيادة، ولا أن يقترض بزيادة، كله ربًا محل إجماع ومحل وفاق بين أهل العلم، فإذا أعطوه الودائع على أنه يعطيهم في المائة خمسة أو في المائة عشرة إلى بعد شهر أو بعد سنة أو أقل أو أكثر فهذا هو الربا المحرم، وهو في الحقيقة عند التحقيق اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه أعطاهم ألفًا وزيادة مؤجلة فصار فيه ربا الفضل وربا النسيئة جميعًا.