والواجب أن يهتم المؤمن بذلك، وأن يعتني بذلك كل عام فيما يتعلق بالنقود وبهيمة الأنعام وعروض التجارة، كل عام يعتني بهذه الأمور حتى يؤدي الحق الذي عليه في غاية العناية وغاية البراءة منه والتخلص من هذا الحق العظيم، أما ما يتعلق بالخارج من الأرض فهو يؤدي عند حصوله إن كانت الثمار والحبوب إذا حصلت أدى الحق منها، فهذه الحبوب إذا صفيت وهذه الثمار إذا جففت وعرف حاصلها أدى حقها وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، تؤدى حقوقها حين حصولها، ثم عليه أن يعتني بإيصالها إلى أهلها عن طيب نفس وعن إخلاص لله لا عن رياء ولا عن سمعة، ولكن عن إخلاص لله وعن طيب نفس بهذا المال الذي شرع الله له أداءه، ثم يخرج من الطيب لا من الرديء؛ لأن الله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267]، والخبيث: هو الرديء من التمر، ومن الحبوب، أو من البهائم الهزيل، أو من غير ذلك مما يسمى خبيث، يسمى رديء، ينفق الطيب الوسط لا يجب عليه الأعلى لكن إذا أخرج الأعلى فهو أفضل له إذا أخرج من الأعلى فهذا خير عظيم، ولكن الواجب الوسط، المال ثلاثة أقسام رديء وأعلى ووسط، فيخرج من الطيب الوسط، ما يلزمه الأعلى، وإن أخرج من الأعلى فذلك خير له وأفضل، ولكن لا يلزمه، في الحديث: إن الله لم يأمركم بخيار أموالكم، ولن يقبل منكم شرارها، ولكن من أوسط أموالكم.
كثير من الناس لا يعتني بالأراضي وأشباهها من العروض، فالواجب العناية بذلك سواء كانت أراضي أو عمائر للبيع أو سيارات أو غير ذلك الواجب العناية حتى يعرف قيمتها ثم يؤديها، تتعاون مع إخوانك الذين لهم خبرة بالقيم، وهكذا عند كساد الأموال ولو عند الكساد ينظر ويتأمل قيمتها بسبب النزول، كل وقت له قيمة، قيمتها عند الغلاء شيء، وعند الكساد والنقص شيء، فيزكي العروض بحسب قيمتها في الوقت الحاضر عند تمام السنة، وليس العبرة بالثمن، العبرة بالقيمة سواء كانت القيمة أغلى من الثمن أو أنزل من الثمن أو مساوية كما سمعتم في المحاضرة، كل سنة تقوم في كل سنة من سنوات العروض، تقوم هذه العروض إذا تمت السنة، سواء في رمضان، أو في شوال، أو في ذي الحجة، أو في المحرم، أو في أي شهر، زكاة المال ليس لها وقت معلوم من الزمان، وقتها تمام الحول، وقت زكاة النقود وعروض التجارة والبهيمة من الإبل والبقر والغنم السائمة هذه زكاتها عند تمام الحول، إذا كان حولها ابتدأ في رجب زكاتها في رجب، وإن كان حولها ابتدأ في ربيع زكاتها في ربيع الأول أو الآخر، إذا كان حولها ابتداء في المحرم زكاتها في المحرم، وهكذا، وإذا وجبت في رجب ليس له أن يؤخرها إلى رمضان، قد يموت قبل رمضان، والفقير حاجته حاضرة، فالواجب البدار بها لا يؤجلها.
لكن لو كان وجوبها في آخر شعبان وأخرها إلى أول رمضان يعني أيامًا قلائل لا يضر يؤخرها أيامًا قلائل لا يضر، لكن تأخيرها عن وجوبها إلى وقت طويل كالشهر وأكثر من الشهر ونحو ذلك هذا قد يضر الفقراء، وقد يفوتهم مصالح كبيرة؛ لأنهم بحاجة دائمة، فالواجب أن يعتني المؤمن بزكاته إلا لعلة كأن يكون ماله غائبًا ما عنده شيء أو بهيمة الأنعام في محل بعيد أو يشق عليه إيصالها إلى أهل الزكاة أو ما أشبه ذلك من الأعذار الوجيهة إذا تأخر عن ذلك حتى يتمكن من إيصال الزكاة إلى مستحقيها.