لا ريب أن حقوق المسلم على أخيه كثيرة، تكلم الإخوان على ست خصال من حق المسلم على أخيه، والحقوق كثيرة، وقد جمعها آيات وأحاديث، فمن الآيات قوله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالمؤمنون جميعًا مأمورون بالتعاون على البر والتقوى، منهيون عن التعاون على الإثم والعدوان، ويدخل في هذا ما لا يحصى من المسائل، فالمؤمن يعين أخاه على البر والتقوى في كل شيء، في صلاته، وزكاته، وصومه، وحجه، وجهاده، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وبر والديه، وصلة رحمه، وغير ذلك، وينهاهم عن الإثم والعدوان في كل شيء.
وهكذا قوله جل وعلا -بسم الله الرحمن الرحيم-: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فمسألة التواصي بالحق شملت جميع ما يحتاجه المسلم، وجميع ما ينفع المسلم، وجميع ما يقيه أنواع الشر، فلا تنحصر في عشر، ولا في عشرين، ولا في أكثر من ذلك، بل من شأن المسلمين التواصي بالحق في كل شيء، والتواصي بالصبر في كل شيء، وواجبهم العناية بهذا الشيء؛ لأن هذه الأمور من أسباب الربح في العاجل والآجل، ومن أسباب النجاة والسعادة، فالربح الكامل في الدنيا والآخرة لمن جمع هذه الخصال الأربع: الإيمان الصادق بالله ورسوله، المتبوع بالعمل الصالح، وبالتواصي بالحق، وبالتواصي بالصبر، وبهذا يحصل المؤمنون على الربح الكامل في العاجل والآجل، والسعادة الكاملة.
ومن المحزن والمؤلم والمؤسف أن يعرض كل واحد عن أخيه، فلا ينصحه، ولا يوصيه، كأنه لا يعرفه، وربما عكس القضية فأعانه على الإثم، وثبطه عن الخير بسبب ما في قلبه من ضعف الإيمان والرغبة في اتباع الهوى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الآيات الجامعة قوله جل وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، هذا وصف الأمة كلها أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فكل مؤمن وكل مؤمنة داخلون في هذا، كل مؤمن يأمر أخاه وينهاه، وكل مؤمنة كذلك، كلهم داخلون في الأمة.
ومن آياته الجامعة قوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] هذه آية جامعة وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] ضد المنافقين، المنافقون ذكرهم قبل ذلك فقال سبحانه: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة:67] يعني عن كل خير، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67]، نسأل الله العافية، أما المؤمنون فهم ضد المنافقين في كل خير: إخلاص لله، وإيمان بالله، وصدق في المعاملة، وتعاون على البر والتقوى، ولهذا قال: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ بعدما قال: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فإذا كنت ولي أخيك وأختك في الله، وهو وليك وهي وليتك أيضًا، وجب أداء حق هذه الولاية، فهو أخوك ووليك، وأنت أخوه ووليه، والمؤمنة كذلك.
وهذه الولاية تقتضي النصيحة، والتوجيه، والإعانة على الخير، وعدم الحسد، عدم الغش، عدم الخيانة، عدم الظلم، كيف تظلمه؟ كيف تغشه؟ كيف تخونه؟ كيف تكذب عليه؟ وهو أخوك؟ وكيف تغشه وتخونه إذا كان ...... في الله ؟ فإذا وقع شيء من ذلك فذلك نقص في الإيمان، وضعف في هذه الولاية، فالواجب الاستدراك، الواجب على من وقعت من هذه الزلة أن يستدرك حتى يجبر إيمانه، حتى يجبر نقص الولاية الذي حصل له.