ومن البلاء العظيم الذي عم الكثير من الناس مسألة اللحية أخذها وقصها وحلقها، أيها الإخوة في الله: هذا أمر قد عم شره كثيرًا بين الناس بسبب الاقتداء بجلساء وبعض المدرسين ونحو ذلك، وهذا غلط كبير ينبغي للمؤمن أن ينتبه له، وأن يحذره، ويتقي الله في ذلك، وقد يشبه بعض الناس بفعل ابن عمر، ابن عمر صحابي جليل من العباد الأخيار، ولكن كل واحد قد يغلط، ولو كان من الصحابة قد يغلط، وقد يخطئ في شيء، ولهم السابقة العظيمة والفضل العظيم رضي الله عنهم وأرضاهم، لكن تأول قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج:29]، فظن ابن عمر أن من التفث أن يأخذ من لحيته إذا حلق في الحج أو العمرة أو قصر، وكان يأخذ منها في الحج والعمرة ما زاد على القبضة إذا مسكها هكذا وخرج شيء، والآن ما عند الناس قبضة ولا عندهم شيء قد أخذوها كلها، فإذا طالت حتى خرجت من تحت يده إذا قبض عليها أخذ من طرفها بعض الشيء في الحج والعمرة، وهذا فعله واجتهاده رضي الله عنه، وهذا الاجتهاد خالف السنة، فيطرح لأن الله يقول جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، والرسول ﷺ قال: أعفوا اللحى أرخوا اللحى وفروا اللحى، هذا أمره ﷺ، فلا يخالف أمره لقول أحد من الناس، ولا لفعل أحد من الناس، لا لفعل ابن عمر ولا لغيره، فابن عمر وغير ابن عمر إذا خالف قولهم أو فعلهم ما قاله الرسول ﷺ أخذ بقول الرسول ﷺ وقال الرب أيضا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، كذلك حديث آخر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها، هذا أيضا تعلق به بعض الناس يحسبون أنه صحيح، واحتجوا به على فعلهم القبيح، وهو حديث باطل ليس بصحيح عن النبي ﷺ، رواه الترمذي من طريق عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب عند أهل العلم، فهو حديث لا يصح عن النبي ﷺ، ولم يثبت عنه أنه كان يأخذ من طولها ولا من عرضها عليه الصلاة والسلام، بل كان يوفرها كثيرًا عليه الصلاة والسلام، وينهى عن أخذ شيء منها، ويؤمر بتوفيرها وإعفائها وإرخائها، فينبغي أن يعلم هذا وألا يغتر بقول من يقول هذا الشيء، فإن الحديث الذي فيه أنه كان يأخذ من طولها وعرضها خبر باطل لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن نعلم هذا، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لمراضيه.
الجمعة ٢٠ / جمادى الأولى / ١٤٤٦