شيء آخر قد يقع في كلام بعض الناس، وهو ما يتعلق بالشرك، وهو أعظم الذنوب، وهو أعظم الجرائم، والشرك هو صرف العبادة لغير الله، أو صرف بعض العبادة لغير الله، وهو أنواع كثيرة، لكن هذا منه، فمن ذلك أن يصلي لغير الله، أن يسجد لغير الله، أن يستغيث بغير الله من الأموات والأصنام والأشجار والأحجار والكواكب ونحو ذلك، يقول الله في كتابه العظيم: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14]، فهذا يعم دعاة الأموات، ودعاة الأصنام، ودعاة الكواكب، ودعاة الجن، إلى غير ذلك، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14]، ما أعطاكم مطلوبكم وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14] يعني ينكرونه ويتبرؤون منه يوم القيامة كما قال جل علا وعلا في الآية الأخرى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5- 6]، نسأل الله العافية.
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:40-41] هذه عاقبة دعاة غير الله يتبرأ منهم معبودوهم وينكرون عليهم ويقولون: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [القصص:63] عبدوا غيرنا، ويقولون: إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ [يونس:29]، ما شرعنا بهم ونبرأ إليك منهم.
ثم هذا الشرك الذي يصرفه المشركون لغير الله من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أموات أو جن أنواع، تارة يستغيث به عند قبره، وتارة وهو بعيد يا سيدي البدوي أنا كذا وأنا كذا، يا سيدي فلان المدد المدد المدد، أغثني أغثني، اشف مريضي، ورد غائبي، يناديه من بعيد، وقريب عند قبور وبعيد عن قبورهم هذا الميت الذي لا يستطيع أن يخلص نفسه كيف يخلصه؟ كيف ينقذ صاحبك؟ كيف يرد عليك غائبك؟ كيف يشفي مريضك، إلى غير هذا من خرافات القبوريين، وخرافات الجهلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].
فالبلية اليوم وقعت في كثير من الناس حول من يظن أنهم صالحون، أو من يظن أنهم من الأنبياء، فيستغيث بهم، وينذر لهم، ويذبح لهم، ويطلبهم المدد، ونحو ذلك، وآخرون عبدوا الأصنام والكواكب والأشجار والأحجار والجن واستغاثوا بهم ونذروا لهم وطلبوهم المدد، وهذا هو نفس شرك المشركين الأولين الذي قال فيه سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال فيه سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فالشرك بالله هو أعظم الذنوب، وهو أكبرها، ثم هذا الشرك ليس من شرط صاحبه أن يكون يعتقد أن هذا الميت ينفع ويضر دون الله لا، ولو ما اعتقد ذلك، المشركون ما يعتقدون هذا، المشركون الأولون كأبي جهل وأشباهه وكفار قريش وغيرهم يعرفون أنهم لا ينفعون ولا يضرون ولكن يقولون شفعاؤنا عند الله وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ما قالوا: هؤلاء ينفعون ويضرون لا، قال الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، يعني يقولون: هم خير منا يشفعون لنا عند الله، فنعبدهم وندعوهم ونستغيث بهم ونذبح لهم ليشفعوا لنا؛ لأنهم خير منا، ليشفعوا إلى الله حتى يعطينا كذا وكذا، حتى يخلصنا من كذا وكذا إلى آخره، هذا عمله.
وهكذا قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، يعني يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، ما يقولون: لينفعونا ويضرونا لا، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فالمشرك مشرك، وإن كان ما يعتقد أنهم ينفعون ويضرون، متى دعاهم من دون الله، متى استغاث بهم أو ناداهم من قريب أو من بعيد، أو دعا الأنبياء، أو دعا الجن، أو ما أشبه ذلك فهو مشرك بذلك، وإن لم يقل إنهم ينفعون ويضرون، وإن زعم أنهم شفعاء فقط، أما إذا قال: ينفعون ويضرون فهذا مشرك بالربوبية، وكفار قريش وأشباههم ما اعتقدوا هذا، يعرفون أن آلهتهم لا تنفع ولا تضر، يعرفون أنها جماد، أصنام أو صالحون أموات يعبدوهم من دون الله، أو أنبياء كعيسى أو صالح، كمريم ونحوها، هم يعتقدون أن آلهتهم التي عبدوها لا تنفعهم ولا تضرهم دون الله، ولكنها تنفع لهم بزعمهم يرجون شفاعتها فعبدوها مع الله.
فالخلاصة من هذا أن الداعي لأصحاب القبور والمستغيث بالأموات وبالأنبياء والصالحين هو كافر بهذا الدعاء، مشرك بهذا الدعاء وإن لم يقل: إنهم لا ينفعون ولا يضرون، وإن زعم أنهم شفعاء، وإن زعم أنهم وسطاء فقط، كما قال المشركون الأولون، أما من زعم أنهم ينفعون ويضرون ولو أنهم أحياء من زعم أنهم ينفعون ويضرون دون الله هذا كفر أكبر ولو مع الأحياء، من زعم أن فلانًا ينفع ويضر دون الله ملًكا كان أو أميرًا أو عالمـًا أو ملكًا أو جنيًا كفر بإجماع المسلمين؛ لأنه شرك بالربوبية، حتى كفار قريش يعرفون هذا، قال جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، قال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس:31]، يعرفون أن هذا لله هو مدبر الأمور، وهو النافع الضار عز وجل، فمن زعم أن ملكًا من الملوك أو نبيًا من الأنبياء أو جنيًا من الجن أو ملكًا من الملائكة ينفع ويضر دون الله ويتصرف في الكون دون الله هذا مشرك شرك أكبر، وكافر كفر أكبر في الربوبية، سواء كان هذا المعتقد فيه حيًا أو ميتًا، نسأل الله السلامة والعافية.
فينبغي أن ينتبه لهذا الأمر، وأن يكون المؤمن على بصيرة، أما الأحياء فيستعانون في الأشياء التي يستطيعونها، الحي القادر الذي يسمع كلامك إذا استعنت به في شيء هذا ليس من الشرك، إذا قلت لأخيك الحاضر يسمع كلامك: يا أخي ساعدني على كذا، أقرضني كذا، أعني على إصلاح مزرعتي، أعني على إصلاح سيارتي، وهو يسمعك عندك، أو بالمكاتبة أو بالبرقية أو بالهاتف التلفون أو بالتلكس تقول له: أعطني كذا أرسل لي كذا هذا ليس من الشرك، هذه أمور عادية، أسباب حسية معلومة عند جميع المسلمين ليس في هذا شيء، هذا أمور عادية جائزة، لكن إذا قلت: يا سيدي فلان، يا رسول الله انصرني، يا رسول الله اشف مريضي، يا سيدي البدوي، يا سيدي عبد القادر، يا فلان يا فلان تدعو الأموات هذا شرك أكبر لأنها انقطعت الأسباب الحسية، إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، وهكذا لو اعتقدت في حي زيد أو عمرو أن يتصرف في الكون وينفع ويضر دون الله وأن فيه سر إذا دعوته شفى مريضك ورد غائبك وأعطاك ما تريد بسر فيه لا بأسباب حسية هذا يكون كفرًا أكبر، ولو كان حيًا، ولو كان يسمع كلامك؛ لأنك اعتقدت فيه الألوهية، اعتقدت فيه أنه يدبر الأمور ويصرف الكائنات، وهذا ليس لأحد إلا لله وحده ، فينبغي التنبه لهذه الأمور التي وقع فيها الكثير من الناس، وحصل فيها التلبيس من بعض الناس؛ لأن أكثر الخلق إلا من شاء الله ليس عنده البصيرة الكافية في التمييز بين هذا وهذا، والله يقول جل وعلا في كتابه العظيم: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].
فالواجب التفقه في الدين والتبصر، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
رزقنا الله وإياكم الاستقامة، ومنحنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.