أما الأحاديث فكثيرة فيما يتعلق بحق المسلم على أخيه، وسمعتم بعضها من الإخوان من المشايخ، ومن أجمعها ما سمعتم في أول هذه الندوة، قوله ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، هكذا المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكت عينه اشتكى جسمه كله، إذا اشتكى يده اشتكى الجسم كله، وهكذا فالمؤمنون جسد واحد، والمؤمنات كذلك، كلهم جسد واحد، وكل يعلم حال الجسد إذا أصيب بمرض في أي موضع منه عم الألم وعم التعب، وهذا مثل عظيم، هذا مثل من النبي مثل عظيم عليه الصلاة والسلام يدعو إلى التكاتف العظيم، والتعاون بين المسلمين والمسلمات، والتعاطف، ويرفق به ويواسيه إذا احتاج، ويعينه على قضاء دينه، ويدفع عنه الظلم، ويجتهد في كل خير ينفعه، ودفع كل شر.
ومن أجمع الأحاديث أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه. هذا المثل العظيم ماذا ترك هذا المثل والذي قبله، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه، كلكم يعرف البنيان يشد بعضه بعضًا، فلو أن المؤمنين والمؤمنات امتثلوا هذا المعنى لصار لهم شأن عظيم، ولاستحقوا النصر على جميع الأعداء، ولفازوا بكل أسباب السعادة، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه، معنى هذا أن المؤمن يدفع الشر عن أخيه، ويعينه على الخير، ويواسيه حتى يستقيم ويثبت على الطريق السوي، وحتى لا يصاب بشيء من النقص.
ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وهذا أيضًا جامع، لا يؤمن أحدكم يعني الإيمان الواجب، فإذا أحسست بشيء من النقص في هذا المعنى فهو نقص في إيمانك، وضعف في الإيمان، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإذا كنت تحب لأخيك أن يفتقر وأن يمرض وأن يضرب وأن يسجن فهذا خلاف ما يجب عليك، وهذا بلا شك ضعف في إيمانك، وضعف في ولايتك لأخيك لأنك مأمور بخلاف ذلك، وهذا ينتج عن الحسد الذي في القلوب، وعما يقع من الشحناء والبغضاء والخصومات إلى غير ذلك، فالواجب علاج ذلك، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، لما كان الإنسان قد يبتلى بالخصومة مع أخيه أو بأسباب تجعل الشحناء تقع بينه وبين أخيه عفا الله عن الثلاث؛ لأن النفس قد لا تقوى على السلام عليه في أقل من الثلاث بسبب الخصومة والشحناء التي وقعت بينه وبينه، فعفا الله عن الثلاث حتى يزول بعض ما في النفس، وحتى يقوى على بدئه بالسلام، ورد السلام عليه، وحتى تعود المياه إلى مجاريها، وتعود الولاية والمحبة، وهذا من رحمة الله وإحسانه إلى عباده جل وعلا.
فالواجب على أهل الإيمان على المسلمين جميعًا أن يعنوا بما أمرهم الله به، وبما أمرهم به رسوله ﷺ، من أداء الحقوق التي بينهم، والصبر عليها، وإيثار ما عند الله، وطلب رضاه جل وعلا، وترك ما في النفوس من آثار قد تطول إلا بالعلاج، وعلاجها بتذكر ما عند الله من المثوبة، وما في مسامحته لأخيه وعفوه عن أخيه ورجوعه إلى طريق الصواب من الخير العظيم.
ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه لا يظلمه هو لا في مال ولا في نفس ولا في بشره ولا في عرض، ولا يسلمه إلى من يظلمه يعني لا يخذله، لا يسلمه يعني لا يخذله، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته هذا أمر عظيم، وهذا في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة، وفي الحديث الثاني رواه مسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، سمعتم الكثير منها من أصحاب الفضيلة، فينبغي لكل واحد منا الجد في العمل.