ومن أسباب الترك بالكلية إنما يتخلف العبد عنها وعن أدائها مع إخوانه لمرض في قلبه، لولا أن هناك مرضا في القلب لما تخلف، لماذا يتخلف؟ إما أن يكون المرض شكًا في الوجوب، أو شكًا في الإسلام والإيمان، أو تردد في الإيمان كحال النفاق -والعياذ بالله-، والمكذبين الضالين الشاكين الحيارى، أو لضعف في إيمانه بسبب معاصيه وسيئاته تثقل عليه الصلاة في الجماعة لما في قلبه من مرض المعاصي، وإما لغير ذلك من الأسباب القبيحة التي تضره في الدنيا والآخرة، فالمؤمن من شأنه أن يواظب عليها، وأن يسارع إليها؛ لأن الإيمان يدفعه لذلك ويسوقه لذلك، ولأن علمه بفضلها وما فيها من الخير العظيم والأجر العظيم، وأنها تمحو الخطايا وتحط السيئات كل هذا يدفعه إلى أدائها في الجماعة، فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أن الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا، وشبهها عليه الصلاة والسلام بنهر جار على دار أحدنا يغتسل منه كل يوم خمس مرات، قال لأصحابه: «فهل يبقى من درنه شيء»، قالوا: لا، قال: وهكذا الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا، يعني لمن استقام ولم يصر على السيئات يمحو الله بها الخطايا، أما من لم يستقم وقد أصر على السيئات فإن الصلوات لا تمحو خطاياه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهكذا الوضوء إذا أحسن الوضوء صار هذا الوضوء من أسباب تكفير السيئات، كما قال النبي ﷺ: من توضأ نحو وضوئي هذا لما علم أصحابه الوضوء بغسل اليدين ثلاثًا، ثم يتمضمض، ثم يستنشق ويستنثر ثلاثًا، ثم يغسل وجهه ثلاثًا، ثم يديه مع مرفقيه ثلاثًا، ثم يمسح رأسه وأذنيه عليه الصلاة والسلام، ثم يغسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
وقال أيضًا في الحديث الآخر عليه الصلاة والسلام: ما من عبد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا أوجب الله له الجنة، فضل عظيم لمن استقام.
وهكذا في وضوئه إذا تشهد بعده يقول عليه الصلاة والسلام: ما من عبد يتوضأ فيبلغ الوضوء، أو قال: يسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء، وفي رواية: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، بعد الشهادة يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، هذه الزيادة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يستحب أن يقولها بعد الشهادة، وهي من أسباب تكفير سيئاته، ودخوله الجنة، إذا كان صادقًا.
وقال عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر، وفي لفظ: إذا اجتنب الكبائر، ما اجتنبت الكبائر، فمعنى هذا أن العبد إذا أصر على الكبائر فقد ...... ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا أصر على عقوقه لوالديه لأنه كبيرة من الكبائر، أو أصر على قطيعة الرحم، أو أصر على الزنا -والعياذ بالله-، أو على شرب الخمر، أو على أكل الربا، أو على الغيبة والنميمة، أو ما أشبه هذا من المعاصي التي هي من الكبائر يكون من أسباب عدم تكفير السيئات له بصلاة ووضوئه ونحو ذلك، فاحذر يا عبدالله احذر الإقامة على السيئات، وبادر بالتوبة النصوح دائمًا، الزم التوبة دائمًا، واضرع إلى الله أن يعينك على ذلك، ثم عليك بإحسان صلاتك، والمحافظة على الصلاة في جميع الأوقات، وإقامتها كما شرع الله، والمسارعة إليها في الجماعة، فقد سمعت النصوص في ذلك، والمؤمن يتعظ ويتذكر قال : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، وقد سمعتم الذكرى في هذا الأمر العظيم، فالوصية لكم ولنفسي تقوى الله في كل شيء، وبالصلاة بصفة خاصة بهذه الصلاة، فإن من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، روى مالك في الموطأ عن عمر أنه كان يكتب إلى عماله، ويقول: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع"، وفي المسند بإسناد جيد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه ذكر الصلاة ذات يوم بين أصحابه فقال: من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيام،ة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، نسأل الله السلامة، هذا وعيد عظيم، هؤلاء من الرؤساء الكفرة من صناديدهم، وهذا وعيد شديد جدًا وخطير، قال بعض أهل العلم: إنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء؛ لأنه إن ضيعها بسبب الرياسة والملك والإمارة فقد شابه فرعون، فيحشر مع فرعون يوم القيامة، نسأل الله العافية، وإن ضيعها لأسباب الوزارة والوظيفة شابه هامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة إلى النار، وإن ضيع الصلوات بأسباب المال والشهوات شابه قارون تاجر بني إسرائيل الذي حمله بغيه وشهواته وماله على التكبر عن الحق، وعلى عصيان موسى عليه الصلاة والسلام، فخسف الله به وبداره الأرض إلى يوم القيامة، فيحشر هذا المتشبه به معه يوم القيامة إلى النار، نسأل الله العافية، وإن ضيع الصلوات أو ترك الدين بأسباب التجارات والبيع والشراء والمعاملات فإنه بهذا يشابه أبي بن خلف تاجر أهل مكة الكافر، فيحشر معه إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فالواجب الحذر، الواجب الحذر، وأن تتأسى بأولياء الله، وأهل طاعته، لا بأعداء الله وأهل التخلف عن طاعته، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: وجعلت قرة عيني في الصلاة، وقال لبلال: أرحنا بالصلاة، يعني أقمها حتى نستريح فيها، فالمؤمن يستريح فيها قلبه وقالبه وتقر عينها بها؛ لأنها عمود الإسلام، فهو يستقر فيها ويرتاح، ويرتاح قلبه، وتقر عينه، فكيف يتخلف عن ذلك، وقد سمعت الله يقول: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59] يعني خسارًا ودمارًا ونارًا وقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، يسهون عنها حتى تضيع الجماعة حتى لا يصلون في الجماعة، أو حتى يضيع الوقت، والعياذ بالله، هذا أكبر وأكبر، وهذا كله لضعف الإيمان أو عدم الإيمان، ولما ذكر أهل النار ذكر أولهم من ترك الصلاة يقول سبحانه: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43]، بدأ بهم يقولون: سلكنا فيها وصيرنا فيها تخلفنا عن الصلاة، نعوذ بالله، فهذا يدل على عظم الخطر في التهاون في الصلاة.