لزوم الاتباع وترك الابتداع

ووجب علينا وعلى غيرنا من طلبة العلم أن يبينوا للناس ما وقع فيه بعض الجهلة، وما غلا فيه بعض الناس من المنتسبين للعلم اغترارًا بهذه البدعة، واغترارًا بغيرهم، واقتداء بمن جهل الحق، وراج عليه الباطل، واشتبهت عليه الأمور، وقد تعلق بعضهم بهذه البدعة بما ثبت عنه ﷺ أنه قال لما سئل عن صوم يوم الاثنين قال: ذلك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، أو أنزل علي فيه، وهذا لا حجة فيه لأحد، لو عقل أهل البدع فإنه يدل على شرعية صومه فقط، وليس فيه الاحتفال بالمولد، والنبي ﷺ صام الاثنين والخميس، وقال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال، وإني أحب أن يعرض عملي وأنا صائم، وكان يوم الاثنين يوم عظيم أنزل الله عليه فيه، وولد فيه، وهو يوم تعرض فيه الأعمال على الله ، فالذي عظمه النبي ﷺ الصوم، فالذي يريد تعظيمه بالصوم يعظمه بالصوم كما شرع الله ذلك، فيوم الاثنين يوم فاضل، ويوم الخميس يوم فاضل، تعرض فيهما الأعمال على الله ، فإذا صامهما الإنسان كما صامهما النبي ﷺ فهذا حسن ومشروع، لكن أين الاحتفال؟ هل احتفل به النبي ﷺ؟ فتعظيمه بالصوم الذي شرعه الله لا بغيره.

وبعضهم يتعلق بأن النصارى واليهود يعظمون أنبياءهم بالأعياد، كيف نعظم نبينا؟ وهذا من الجهل الكبير بنبينا، حذرنا أن نتشبه بأعداء الله اليهود والنصارى، ونهانا أن نقلد اليهود والنصارى في أعيادهم، وفيما هم عليه من الباطل، وقال: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه يحذرنا قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟، وفي لفظ قالوا: فارس والروم؟ قال: فمن؟، يعني: هم أولئك الذين أحذركم من اتباعهم وتقليدهم، فالرسول ﷺ حذرنا من تقليد اليهود والنصارى والتشبه بهم وعوائدهم وأعيادهم، فإذا أوجدوا أعيادًا لعظمائهم أو لأنبيائهم أو لعيسى عليه الصلاة والسلام فليس لنا أن نقلدهم في باطلهم، وليس لنا أن نتشبه بهم، ولا نعمل أعمالهم، بل نتبرأ من ذلك، وننتهي عن ذلك، ونعلم أنهم قد ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن الله، وأن رسولنا ﷺ نهانا أن نقلد أو نتشبه بهم، فالدعوة إلى أن نوجد عيدًا للمولد مثل عيد النصارى معناه دعوة للتشبه بالنصارى، ومعناه الدعوة إلى تقليد النصارى وأشباههم من اليهود فيما أحدثوا من البدع، هذه حجة داحضة وحجة فاسدة، معناها المصادمة لما قاله النبي ﷺ، والمعارضة لما حذر منه عليه الصلاة والسلام، هو حذرنا أن نتشبه بأعدائنا، وحذرنا أن نقلد أعداءنا، فكيف نتشبه بهم في الأعياد؟

ثم هذه الأعياد مهما كانت فهي محل الشر والفتن، ومحل البدع، ومحل الغلو والإفراط والزيادة في دين الله، فوجب منعها لكونها بدعة، ولما يترتب عليها في كثير من الأحيان، وفي كثير من البلدان بشرور كثيرة من الغلو والإفراط وأنواع الباطل.

والرسول عليه الصلاة والسلام بحمد الله لم يزل يذكر بيننا عليه الصلاة والسلام، ولم يزل يدعا إلى سنته عليه الصلاة والسلام ليس في حاجة إلى الاحتفال بمولد، فهو لم ينس حتى نذكره بمولده عليه الصلاة والسلام، مولده يدرس في المدارس، والسيرة تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد، لم ينس عليه الصلاة والسلام، بل سيرته وشريعته وأحكامه ودينه كله يدرس في المدارس وفي المعاهد وفي الكليات وفي المساجد يعلمه الناس، ويدرس بين الناس، وذكره لم يزل في اليوم والليلة في الأذان والإقامة وفي الصلوات: أشهد أن محمدًا رسول الله في الأذان خمس مرات كل يوم، وفي الإقامة خمس مرات كل يوم على رؤوس الأشهاد أشهد أن محمدًا رسول الله، لم ينس بحمد الله، بل يذكر على المنابر، وفي المساجد، وفي الدروس عليه الصلاة والسلام، وفي التحيات في الصلاة مرتين في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي الفجر مرة واحدة، تقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، فالمسلمون لم ينسوه بحمد الله، وليسوا بحاجة إلى إحداث الموالد، إنما يأتي في الموالد من نسي أصحابه، ونسي من يجعل له مولد فيحيي ذكرهم بمولده الذي فعل وبدعته التي أحدث، أما نبينا ﷺ فلم ينس بحمد الله، فالمسلمون يذكرونه ويشهدون له بالرسالة، ويصلون عليه دائمًا عليه الصلاة والسلام، ويتبعون سنته، ويعظمون أمره ونهيه، ويدرسون سيرته وشريعته في مساجدهم وفي مدارسهم ومعاهدهم وحلقات العلم في كل مكان بحمد الله يوجد فيه مسلمون.

هذه نبذة مما يتعلق بالمولد وبدعة المولد، وليس هذا خاصًا بالنبي ﷺ، بل جميع الموالد كلها بدعة، ومما أحدثه الناس أيضًا تقليدًا لأعداء الله، أن بعض الناس يجعل مولد لبنته ولأمه ولأبيه ولنفسه هذا مولد فلان ويجعل وليمة ويجعل عزيمة هذا من التأثر بالنصارى واليهود هذا لا أصل له هذه من البدعة المنكرة، فليس من ديننا الموالد يحتفل بها ولا تعظم لا للأولياء ولا للأنبياء ولا لغيرهم، بل هذا مما قلد فيه الناس الأعاجم من النصارى واليهود وأشباههم، وعلينا أن نتبع ولا نبتدع، الله يقول جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، هذا جزاء من اتبع الأولين من أصحاب النبي ﷺ بإحسان وسار على نهجهم، جزاؤه أن الله يرضى عنه ويدخله الجنة ، فعلينا أن نتأسى بهم وأن ........، وقال جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فعلينا التأسي بالرسول ﷺ وبأتباعه بإحسان من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم ومن سار على نهجهم، وليس لنا أن نحدث في الدين ما لم يأذن به الله، وليس لنا أن نقلد أعداء الله بما أحدثوا في دين الله، بل علينا أن نعظم أمر الله ونهيه، وعلينا أن نبادر بأمر الله، وأن ننتهي عن نهي الله، وأن ندعوا الناس إلى دين الله وشريعة الله، وأن نحذرهم مما ابتدعه الناس في دين الله من الموالد وغير الموالد، هذا هو الواجب على أهل العلم والإيمان في كل مكان وفي كل زمان، ولا بد أن كثيرًا منكم يسمع في الإذاعات بدعًا كثيرة، يسمع المولد في هذا الشهر، والاحتفال به في أماكن كثيرة، وتسمعون أيضًا في أوقات أخرى بدعة رجب والإسراء والمعراج وبدعا أخرى في أوقات أخرى يبتدعها الناس، فالناس عندهم بدع كثيرة، فينبغي أن يعلم المؤمن أن ليس لنا إلا عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى، هذه أعياد المسلمين، عيد الفطر وعيد الأضحى فيه الاجتماع على صلاة وذكر وعبادة لله ، عيد الفطر بعدما يسر الله لنا صيام رمضان ومن علينا بصيامه وقيامه جاءت صلاة العيد والفطر شكرًا لله على ما أنعم عليه من نعمة الصيام والقيام، وجاء عيد الأضحى بعدما من الله على المسلمين بحج بيته الحرام، وما شرع له في أيام العيد من الذكر والتكبير، وما حصل في أيام الحج من إكمال الدين، وتمام الدين حيث أنزل سبحانه في يوم عرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، فجاء عيد النحر شكرًا لله على ما أنعم به من نعمة الإسلام، ونعمة إكمال الدين، وما شرع الله لنا في أيام الحج من العبادات، وفي عشر ذي الحجة من الذكر والتكبير والتعظيم لله ، وهو عيد في تلك الأيام، وأيام الحج كلها أعياد، كلها أيام ذكر ودعاء، وأيام تقرب إلى الله ، يوم عرفة وأيام التشريق كلها عيد للمسلمين فيها الاجتماع على طاعة الله، في الوقوف بعرفة ومزدلفة ثم رمي الجمار وفي ذبح الهدايا وفي الذكر والتكبير كلها قربات لله ، وكلها فضل من الله علينا جل وعلا، أما أعياد جديدة تحدث وتبدع فليس لها أصل في دين الله ، ولا يجوز إقرارها ولا الدعوة إليها ولا الرضى بها، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.